عندما رفعت سماعة الهاتف يوم الخميس وأنا منهكة ومتعبة من تحليل وكتابة وانشاء تقارير مهمة يجب علي تسليمها يوم الأحد، كان على الطرف الآخر رئيس قسمي الذي باغتني بجملة غريبة! (يقولون ما عندج شغل فالويك اند! طرشت لج ملف راجعيه وعطيني الفيد باك الأحد).
ولكثرة الأعمال التي يجب أن أنجزها لم أرد عليه ولم أعترض ووصلني البريد الالكتروني بملف فيه ما يقارب 120 صفحة! .. فكرت قليلا! ما هو "الشغل" الذي يجب أن أنجزه في عطلة نهاية الاسبوع؟ زيارة أهلي؟ قضاء الوقت مع أطفالي؟ وقت خاص بي لقراءة كتاب أو الاستجمام! ... كيف له أن يطلب مني طلب كهذا ولماذا لم أرفض؟ ... ربما من أهم أسباب القبول دون ناقش أننا في مجتمعاتنا العربية قلة هي الجهات التي تفكر في الموظف كإنسان وليس كآلة! .. وقلة هم من يفكرون بأن هذا الشخص لديه حياة أخرى! وأن الاعتراض على شيء لن يكون الا نوعا من أنواع التهكم والرغبة بالهروب من العمل وعدم تحمل المسؤولية! ..
في النهاية ذهبت إلى مكتبة وطبعت الملف حتى استطيع تحليله وقراءته وخصصت ساعتين في كل يوم في هذه العطلة لقراءة الملف وانجزت اخر جزء منه يوم الاحد صباحاً .... وعند لقائي به لعرض ما اجتهدت بتحليله ... عرفت انني قمت بإنجاز أكثر من المطلوب بكثير ... وانني لو كتبت ملاحظات عامة لن تكون النتيجة مختلفة عن ملاحظات تفصيلية وطويلة ومؤرقة ....
لم تكن المعضلة هنا! انما المعضلة الحقيقية كانت في أنني قاومت نفسي كثيرا التي كانت تثور وتهدأ عندما استلمت تقييم الزملاء واكتشفت ان احد الزملاء قام بتقييمنا جميعا بطريقة مجحفة، وتعاليت على نفسي وانجزت العمل وانا اشعر بغيظ مكتوم حتى حينه! ...
هل جميع الآحاد هكذا؟ طويلة ومتعبة ومرهق؟ يفترض أن أصل إلى البيت الساعة الثانية والنصف ولكن تأخرت حتى وصلت المنزل قرابة الساعة الخامسة! ... من يا ترى الذي سيقدر هذا الوقت؟ ... أو الوقت الذي أمضيته في عطلة نهاية الأسبوع لانجاز أعمال أخرى؟ .... للأسف في عملنا نحاسب على دقائق معدودة ... نحاسب على يوم تأخرنا بإدخاله في النظام ... يتم تهديدنا طوال الوقت في حال التأخر في ادخال الاعذار والتصاريح والاجازات فانه سيتم الخصم من الراتب! .... وماذا عن الذي يعمل أكثر من هذه الساعات؟ ... كيف هو جزاءه؟ .... لا شيء ...
كلما قارب الوقت لتسليم تقرير مهم يحتوي تفاصيل أداء أي وحدة أو فريق! تكثر الرسائل تكثر طلبات الاجتماعات يكثر طلب مراجعتي لملفات كنت اطلبها شهوراً ... فيتوقع الجميع أنني سأساعدهم حتى لا يكون التقرير سيئاً وهذا ما افعله كل عام وانا اعلم ان الأصح هو الضرب بالعصا حتى لا يتكرر ذلك ...
لم ينته هذا اليوم الا بسماعي جملة غريبة تصفنا بشكل عام بصفة غير مستحبة .. ولم أملك الرد ولا حتى التفكير في أي رد وانما أكملت عملي بهدوء ..
في هذا الأحد ... بدأت الدراسة ... واستقبلت المدارس الطلاب .. وازدحمت الشوارع ... كان ممتعا ارسال وتلق أدعية وشعارات إيجابية خاصة للطلبة والمعلمات ... في هذا الأحد استمتعت ب"سنابات" الصديقات ورؤية تجهيزاتهم المدرسية! ... في هذا الأحد أخبرت زميلاتي وصديقاتي أن وجودهم شيء جدا مهم في حياتي! وعدم احاطتي بهم يجعلني حزينة وأفقد توازني! ... في هذا الأحد أرسلت لي اختي رسالة تخبرني انها ستذهب لقضاء بعض الوقت كما قررنا عدة مرات مع والدتي ولم ننجح، أخبرتني انها ستكون هناك! .. واذا استطعت الحضور فاني حضرت! ... وارسلت رسالة مماثلة لصديقتي في ذات المكان ... والتقينا وقضيت معهم وقت ممتع جداً انساني تعب هذا الأحد الذي لا يكاد أن ينتهي! ... في هذا الأحد لم تعلم صديقتي التي هاتفتني لأنها رأتني في "المول" مصادفة أنها رسمت على شفتي ابتسامة صادقة! ... فكم شخص يشيح وجهة عنك كأنه لم يرك! .. وكم شخص يبتهل ويسعد لرؤيتك بل ويهاتفك ليخبرك!
في هذا الاحد عدت الى المنزل وانا اشعر بألم شديد في أصابع يدي وكفي ورسغي! ... أشعر وكأن عظامي تتحلل ... ربما من كثرة العمل والكتابة ... وهنا ... رأيت كفيَ لأول مرة بهذه الطريقة! ... هذا الألم كان نتيجة كتابة! كتابة طويلة! وجداول! ونتائج! ... هذا الألم جعلني اقلب يدي ... كأني اراهم للمرة الأولى! ... دعوت ربي! أن لا تكتب يداي الا الحق .. دعوت ان لا تكون كتابتي شرا لأحد! .. أن يكون هذا الألم جزءاً من رد الجميل لهذه الدولة! ...
هذا الأحد طويل جداً ... انتصف الليل ... ولا أعرف للنوم سبيلاً ... وها أنا هنا ... مازلت أكتب وأكتب وأكتب رغم الألم! ....