في فترات متقاربة، فقدت خالي وعمتي، اثنان من احب الناس الى قلبي، والاثنان يتشاركان في كمية الحب الغير مشروطة التي منحاني اياها، هذا الألم عظيم جدا على قلبي، يتجدد كل ليلة، واحاول ان اخدع نفسي بكافة الصور الممكنة، فخالي موجود ولكنه بعيد وعمتي موجودة في بيتها وانا لا ازورها. وهو ليس قنوطا او اعتراضا على قضاء الله وقدره، ولكنها الرغبة الداخلية في تمني وجودهم.
"لا دائم إلا وجه الله"
"أمر الله"
"كلنا سنسير على نفس الدرب"
"هم عند الله أفضل"
وكثيرة هي الجمل التي تتكرر عند ذكر أمواتنا الذين واراهم التراب، نرغب بشدة أن نواسي انفسنا بكل السبل الممكنة، وأن نصبر ونحتسب عند الله ألم الفقد والمصاب العظيم، ولكن حالما يسدل الليل ستائره، فان جميع الافكار تتجمع،
تتذكر جميع ذكرياتك معهم، اخر محادثة واخر مكالمة واخر لقاء، تتذكر كمية التقصيير والوقت الذي مضى وشح تواصلك معهم، وهنا اليوم في مدونتي، أحب أن أوثق بعض المواقف، لتبقى هنا .. ذكرى مكتوبة ..
عمتي التي أتذكر ضحكتها كلما اخبرها عن والدي وتوبيخه لي، عندما كانت تصر على ان اشرب كوب وكوبين وثلاثة اكواب من الشاي كلما دخلت مجلسها، كلما سألت عني وعن اطفالي حتى وهي في العناية، عندما كانت في المستشفى وتسال (هل رزقت بطفل أم لم يحن الوقت؟) عندما ذهبت لاريها صورة الطفل الذي كانت تنتظره وتضحك عندما خبرتها انني اوصد الباب علينا ولا اسمح لاحد ان يلمسه، اتذكر لون عينيها (عموتي لون عيونج حلوه!) فكانت تشتاط غضبا (من متى العيون الغبر لونهم حلو، خوزي عني)، (انا البس عدسات عشان يكون لون عيوني نفسج)، تلك المسحة الرمادية المميزة التي كانت لا تحبها، وكنت احب التحديق فيها، اليوم الذي وضعت رأسي عندها لتمسح به على شعري حتى انام! .. فنجان القهوة .. أو كوب القهوة العربية بالاصح .. صوتها الذي يتكرر في اذني عندما تسال عن والدي ووالدتي، اخر لقائي معها وانا اضع كفي في كفها، امسكها من تحت الفراش الابيض، وادعو الله ان يشفيها، احبها ..
خالي الذي كان يتصل دائما ليسال عني، اخذني في نزهة لعدة مدن، كان يغدق علينا الحب كاننا ابناءه (وأكثر)، عندما ذهبنا لنتناول العشاء معا وعدنا الى المنزل لنجد ان العلبة فارغة، عندما كان غاضبا ويضحك بشده عندما فقد مفتاح السيارة، عندما غابت الشمس خلف المنارة، عندما يوصيني دائما بوالدي ووالدتي، عندما يقول انه من حبه لي ولاختي فقد رزقه الله بابنتين واحدة تشبهني والاخرى تشبه اختي، فيشعر اننا معه، اخر رحله له وهو يرسل لنا الصور بوجه ابيض كالقمر ويقول انه مرهق ومنهك ويضحك على هذا الحال ويجعلنا نضحك معه حتى وهو يتألم، اتذكر عندما كان يتركني امشي في الشارع استكشف بعيدا عنه حتى يعلمني انه لا يوجد ما اخاف منه في الشارع! .. اتذكر طعامه المفضل، حبه اللا متناهي لاطفاله، دمعة عينيه كلما ودعناه ... صوته الذي اعيد تشغيله في الرسائل الصوتية مرات ومرات ومرات، صوره التي اتمعن فيها كل ليله، واسال نفسي، هل فعلا واراه التراب؟ ..احبه .. واشعر بحزن شديد لا استطيع التخلص منه، على كل مكاملة لم أرد عليها ..
حكمة من الله، أن لا نعلم موعد الموت، متى ينتهي أجل الانسان، ويجب علينا دائما ان نعامل من نحب كانه اخر يوم، ان نصل رحمنا مهما اشغلتنا الدنيا، أن نحترم الناس ونحسن لهم،،،،
إنا لله وإنا إليه راجعون، حسبي الله ونعم الوكيل،،،
اللهم اغفر لهم وارحمهم.. وعافهم واعف عنهم.. وأكرم نزلهم.. ووسع مدخلهم.. واجعل قبورهم روضة من رياض الجنة.. ولا تجعلها حفرة من حفر النار.. برحمتك يا أرحم الرحمين.. وارحمنا إذا صرنا منهم يا رب العالمين.. يا حي يا قيوم.. يا حي يا من لا يموت.. ارحم من يموت.. وارحم آبائنا.. وأمهاتنا.. اللهم ارحمهم في الدنيا والآخرة يا رب العالمين