Wednesday, December 12, 2012

مقهى السعادة (٢) ،،،،،



دخلت إلى القاعة الدراسية وأنا أرى البروفسور آتٍ من بعيد، حمدت الله تعالى أنني لم أتأخر لأن البروفسور جون مشهور بطرده للطلبة المتأخرين على موعد المحاضرة بطريقة شديدة ومحرجة، تحركت عيناي بتلقائية إلي الصف الأول، الثلاثة كراسي الأولى جهة اليمين، هنا تجلس (جي-هارو-سان) و(أليشا)، هما صديقتيّ المقربتين، تعرفت عليهما في الجامعة، نحن الثلاث نجلس بجوار بعضنا البعض ونعمل على أن تحجز كل واحدة للبقية الكراسي، فإن تأخرت، سأكون متأكدة أنني سأحصل على مكان بجانب صديقتي، وفعلاً كانت القاعة مكتظة بالطلبة ووجدت أنا مكاني كأول كرسي على اليمين. 

وضعت حقيبتي وأنا أحيي صديقتي بطريقة رسمية كأنها من العصور الوسطى (مرحباً جي-سان، والآنسة أليشا، إن اليوم مشمس وجميل)، أومأت صديقتاي رؤوسهما وهن يغلقن أعينهن بطريقة مماثلة للعصور الوسطى أيضاً، ضحكنا جميعاً وجلست مكاني مستعدة للمحاضرة، درسنا اليوم سيكون عن الثورة الصناعية، سيكون الدرس رتيباً وشبه تاريخي! .. دخل البروفسور، أخذ بتجهيز حاسوبه والمواد العلمية دون أن يلقي أي تحية كعادته، وأخذت أنا القلم مستعدة لكتابة الملاحظات،،،


((الساعة الثانية بعد الظهر))

انتهيت من الملاحظات، ثم توجهت إلى غرفة تبديل الملابس في المسرح، وصليت الظهر بينما كانت تنتظرني أليشا في الخارج ، وعندما انتهيت شبكت ذراعي بذراع أليشا، ونحن نتجه إلى "اللوح الجداري" الجداري الخاص بي.

 أليشا هي أول من تعرفت عليه عندما دخلت إلى الجامعة، تعرفنا على الجامعة معاً وتخصصنا معاً، أليشا هندية الأصل، تصغرني ب٦ سنوات أي أن عمرها الآن ٢٠ سنة، وهي من أهدتني حذائي الدافئ، اليشا مرحة جداً وجميلة جداً، لها تلك الملامح الهندية التي نراها في الأفلام، شعرها الأسود الكثيف يتدلى إلى آخر ظهرها، لها بشرة حنطية تميل إلى السمرة وعينان تأسران كل من ينظر إليها، سواد عينيها ووسعهما، وذلك الكحل الأسود الذي لا يفارق عينيها لهما جاذبية غريبة، أما أنف أليشا فهو قصير وناعم، كانت تجذب إليشا الكثير بملامحها المميزة وضحكاتها التي لا تتوقف.

تحب أليشا الرقص والغناء وتحب الرسم والتصميم، لذلك كانت هي أول من شجعني للتحدث مع إدارة الجامعة بالحصول على مساحة خاصة ولوح جداري خاص بي، حيث كانت دائما تساعدني بتصميم هذا اللوح بعد أن أنتهي من جمع المعلومات التي أود أن أعرضها عليه. أما لوحي الجداري هذا هو فقط مساحة تعبير، لكل من يحب أن يعبر ويشارك، تصلني المشاركات في البريد الإلكتروني والصور، فأقوم أنا بتجديد هذا اللوح كل جمعة بمساعدة أليشا.

"هل أحضرتي كوبونات السعادة يا ليلى؟"، هكذا قاطعت اليشا تفكيري عندما وصلنا إلى اللوح، "نعم يا اليشا، ان الكوبونات معي، خمسة كوبونات للحصول على الكعك والقهوة من مقهى السعادة" ... وضعنا حقائبنا جانبا وبدأنا بإزالة محتويات اللوح القديمة ووضع الجديد بينما نتبادل أطراف الحديث،،

"أحب فكرة الكوبونات يا ليلى، كيف أتيت بهذه الفكرة؟"

أجبتها ضاحكة،، "لا أعرف، ربما ذات مساء" ... 

"أنتي تدفعين كل أسبوع قيمة خمس كوبونات،،، ثم تعلقينها هنا على هذا اللوح تحت عنوان (أسعد محتاج)،،، لماذا؟"

أشرت لها باصبعي تحت (أسعد محتاج) لأجعلها تقرأ مرة أخرى ما كتب تحت هذا العنوان الكبير: "في هذه الدنيا أناس لا يحصلون على قوت يومهم، قد يسعدهم الحصول على كوب قهوة ساخن وكعكة دافئة، وفي هذه الدنيا الكثير ممن نحب، نستطيع رفع معنوياتهم بكوب قهوة ساخن، وكعكة لذيذة، إذا كنت تعرف من يحتاج جرعة من السعادة التقط كوبوناً من هنا وأهده له ... أَسْعِد الناس لتَسعد" ... 

قرأت أليشا الكلمات مرة أخرى ونظرت إليَ بنظرة متسائلة، فلم يكن مني إلا أن تنهدت وأدرت عيني بضجر مشاكسةً لها، وفعلا نجحت وغضبت أليشا ورمقتني بتلك العينان الجميلتان نظرة غاضبة وهي تنتظر الإجابة،،،،

"أليشا، يا صديقتي الصغيرة، أنا أأمن أنه من يسعد إنسان في الدنيا، فإن الله تعالى يسعده في الدنيا أو الآخرة، وأنا أحتاج لجرعات كثيرة من السعادة! ولذلك أدخر الكثير منها عند الله تعالى،،، حسناً اعتبريها صدقة، في ديننا الإسلامي الصدقة تطفئ غضب الله،،،، أو أي سبب آخر يا إليشا، أنا أشعر بالراحة عندما أشعر أنني أسعدت شخصاً ما، كما أن جدتي ستسعد أيضاًِ بالحصول على زبائن جدد"

"ولماذا يوم الجمعة بالذات؟"

"لأنه يوم خاص بالمسلمين، أتذكر به أجواء الجمعة في بلادي، وأسأل الله أن يتقبل مني في ساعات الاستجابة،،، فقط أحب الجمعة بكل مافيه، ولازلت أشعر أنه يوم إجازة رغم أنني هنا في الولايات المتحدة،،"

انتهيت أنا وأليشا في تمام الساعة الرابعة والنصف، افترقنا لتذهب هي إلى بيتها وأعود أنا إلى جدتي. في طريق العودة، بدأت بقراءة سورة الكهف من هاتفي المحمول بهدوء، وأدعو الله سبحانه بشدة وإلحاح وإيمان تام، موقنة بأن دعواتي ستلقى طريقها إلى الله، وستستجاب يوما ما. 

كم أتمنى أن تتحقق هذه الأمنيات! انتهيت من الدعاء عندما سمعت صوت الحافلة يتوقف بجانب مقهى جدتي، (آمين) ... هذا كل ما قلته وأنا أنزل ببطيء شديد من الحافلة وابتسامة هادئة ترتسم على وجهي وأنا أتخيل أن أمنياتي قد تحققت! ،،،،،،




،،،،،،،،، يتبع

2 comments:

~أم حرّوبي~ said...

مليئة بالتفاول..ولازلت بالانتظار ^^

مهرة سالم said...

وأنا أيضا
أنتظر بشوق :)