Friday, February 8, 2013

مقهى السعادة ،،، (٨) ،،،


رافقتني إيليشيا إلى المنزل، وانضمت لنا جي-سان لاحقاً، كنا نستذكر الدروس ونحاول أن ننتهي من المشاريع التي يجب أن نسلمها هذا الأسبوع، لو لم تكن جي-سان معنا لما انتهينا من شيء، فكلما حاولنا مناقشة نقطة غامضة في المشروع، تقوم إيليشيا بالتعليق بطريقة مضحكة جداً لا يتقنها أحد سواها، فأضحك أنا بشدة مع إيليشيا أما جي-سان فكانت تبتسم بأناقة ثم تسكتنا باسلوب لطيف قائلة (مالذي كنا نقوله؟ نعم ... ) وترجعنا لجو الدراسة مرة أخرى، هكذا حتى أخبرتهم أنني بحاجة لفترة من الراحة وأداء صلاة العصر.

أحب أشعة الشمس التي تدخل من النافذة فترة العصر، ولذلك أضع سجادتي بالقرب من النافذة لأصلي العصر وأقرأ أذكار المساء، في ذات الوقت كانت إيليشيا تحضر لنا شطائر خفيفة، أما جي-سان كعادتها كانت تستغل مثل هذه الأوقات بالدخول إلى صفحة الفيس بوك وفليكر وغيره من مواقع التواصل الاجتماعي.

عندما انتهيت من الصلاة، جاءت إيليشيا ووضعت الشطائر وأكواب الشاي بجانبي على الأرض، ثم ذهبت وأنزلت شاشة جي-سان بتهديد (جي-سان! .. أرجوكِ أن تتركي هذا الجهاز قليلاً، سنتناول الطعام على الأرض)، كانت ردة جي-سان جداً مضحكة عندما أمسكت بيد إيليشيا بفزع (لاااا أنتظري .. أتركي الشاشة ...) .. ابتسمت إيليشيا بِشَر (سأغلق شاشة الجهاز الآن ... واحد ... اثنان ...) عندها فقط تركت جي-سان الجهاز وجلست على الأرض بهدوء بجلسة يابانية أنيقة، هنا عكست أشعة الشمس لون شعر جي-سان الكستنائي الذي كانت ترفع خصل منه بمشبك على شكل وردة، كل شيء في جي-سان أنيق. أما إيليشيا فضربت كفها بكفي كعلامة نصر، وجلست على الأرض"متربعة" مثلي.

بدأت بتناول شطيرتي، حينما قامت إيليشيا بلمس شعر جي-سان (شعرك ناعم جداً يا جي-سان، وهذا اللون يناسبك جداً) .. وأتبعت أنا (فعلا جي-سان، لونه جميل جداً، هل هناك مناسبة لتغيير لون شعرك؟) ، ابتسمت جي-سان ابتسامة واسعة وقالت (صبغته لفعالية "حول العالم في جامعة نيويورك") قطبت حاجبي فأنا لا أعرف عن هذه الفعالية شيء. سألتها إيليشيا عن الفعالية فقالت جي-سان (لقد أخبرني أحد الأصدقاء عن هذه الفعالية، وتم ارسالها لجميع الطلبة على بريد الجامعة الالكتروني، حتماً وصلتكم الرسالة) ..

ضحكنا أنا وإيليشيا وعندما سألت جي-سان عن السبب كان لدينا سبب واحد (نحن لا نقرأ الإعلانات التي ترسل في بريد الجامعة) ... نظرت إلينا جي-سان وقالت: حسناً هذه الفعالية تضم أكشاك صغيرة، بحيث يمثل كل كشك إحدى الدول، وأنا سأشارك في المعرض الياباني. (كيف أشارك؟) هكذا سألت إيليشيا وأخبرتها جي-سان أين ستجد قائمة الطلبة والدول المشاركة، تحمست إيليشيا للفكرة كثيراً. أما أنا فقد كنت استمع لهما بهدوء وأنا أتناول الشاي (ليلى، ألن تشاركي؟) .. أشرت لهما بيدي دون أن أتحدث وكأني أقول لهم (انسوا الموضوع). هنا لم أستوعب ما حدث! حيث شعرت بصفعة على جبهتي بأطراف أصابع إيليشيا الباردة، لم تؤلمني ولكن خفت من صوت الصفعة وردت فعلها الغريبة.

(ليلى؟ .... باقل-هي؟) ... (أنتي الغبية والمجنونة يا إيليشيا) .... (قد يشارك أحمد، هذه فرصة) ... (لنكمل المشروع أرجوكم) قلت هذه الكلمات وأنا أتجهه إلى الطاولة، لحقت بي إيليشيا وجي-سان، عم الهدوء المكان، كل ما نسمعه هو فقط صوت نقرات لوح المفاتيح، حتى انتهينا.

ذهبت في البداية جي-سان حيث أقلها أحد أصدقائها، أما إيليشيا ساعدتني على التنظيف وهي تتحدث عن دون توقف عن ما ستفعله في القسم الهندي (سأحضر تمثال كريشنا ... سأحضر حلوى اللّدو ... يجب أن أختار ملابس جميلة .. أود أن  أكون أنا في الاستقبال....الخ الخ الخ) لم أصغِ لها كثيراً، فكنت أفكر إذا كان هناك قسم اماراتي .. هل سيشارك أحمد؟ ابتسمت عندما تذكرت شكله وهو يرتشف القهوة صباحاً، ثم عقدت حاجبي عندما تذكرت أنه صافح إيليشيا، ومع تغير تعابيير وجهي صفعتني إيليشيا على جبهتي مرة أخرى وهي تقول (أحمد؟) .. فابتسمت.

مر يومان وأنا أذهب إلى الجامعة وأعود العصر منهكة، لم يكن الانتهاء من المشاريع ومناقشة الطلبة ومراجعة الأساتذة سهلاً، لم أكن التقي باليشيا وجي-سان الا وقت المحاضرات، وننهي واجباتنا ومشاريعنا معاً كل مساء "أونلاين". في اليوم الذي يليه أديت صلاة الظهر في زاويتي السرية في المسرح، ثم سمعت أصواتاً كثيرة عند انتهائي من الصلاة، وعندما خرجت وجدت الطلبة والطالبات يجهزون الأكشاك، كانت أشكالهم ممتعة جداً، حيث كانت الأكشاك جاهزة ولكنها عارية من أي نوع من من أنواع الزينة. كنت أمشي بين الطلبة والقي التحية على كل من أعرفهم واتمنى لهم التوفيق، الا الطلبة العرب فقد كنت ابتعد عنهم وكأني لم أدرس معهم مسبقاً.

التقطت بعض الصور بواسطة هاتفي، وقررت رفع بعض هذه الصور في حسابي الفيس بوك، حسابي في الفيسبوك فيه الكثير من طلبة الجامعة، وبعض افراد العائلة، لم يكن حسابي ممتعاً ولم أكن أحدثه باستمرار، وبينما كنت منشغلة برفع الصور سمعت صوتاً بجانبي ... (ليلى) ... أغمضت عينيّ بشدة لعدة ثواني، تسارع نبض قلبي مرة أخرى، أنا أعرف صوته جيداً حتى وان لم نتحدث كثيرا .. فتحت عيني وأنا أضغط عشوائيا على (إرسال) لأرفع الصور دون أي وصف يذكر في صفحة الفيس بوك.

كان ينظر إلي بابتسامة لطيفة وعندما نظرت في عينيه التفت لأبحث عن أي شيء آخر سواه .. وبلهجة أمريكية هادئة قال: (مساء الخير يا ليلى، هل تشاركين في المعرض؟ .. في أي قسم انتي؟) .. كان سؤاله واضح جداً (من أي دولة أنتي؟)، ابتسمت وقلت له أنني لا اشارك ولن أشارك ..

كان يحمل صندوقاً كبيراً وفوقه صناديق صغيرة، تساقطت هذه الصناديق عندما اصطدم أحد الطلبة بكتف أحمد، فحملت أنا هذه الصناديق الصغيرة (سأساعدك، أين نضع هذه الصناديق؟) .. (لا داعي يا ليلى، شكرا جزيلا) .. (لا بأس، انها ليست ثقيلة) .. حسناً لا أعرف لماذا فعلت ذلك ولكن ربما هي ردة فعل سريعة من قبل عقلي الباطن ..  (الكشك رقم ٣٢) .. 

يتوجه أحمد إلى الكشك وأنا خلفه بخطوتين، رائحة عطره قوية ولكنها جميله، كنت أنظر إليه من الخلف .. ملابسه نظيفة ومتناسقة ، شعره بطول مناسب ..يدرس في جامعتي ..  يكمل دراسات عليا .. يكبرني سناً .... لم أنتبه مسبقاً لفرق الطول بيني وبينه، فهو طويل جدا ..... يا الهي مالذي افكر فيه الان؟ .. لو يعرف فقط ما يدور في رأسي!! ...

(ل ي ل ى ى ى  ى ى ى) سمعت هذه الصرخه مع كف يضرب كتفي، فشهقت بصوت عالٍ .. (تبا لك يا إيليشيا .. لقد أخفتني!) .. بصراحة لم يخفني صوت إيليشيا بقدر ما أفزعتني أفكاري التي ظننت أنها تناثرت هنا وهناك خارج جمجمتي! .. ضحك أحمد وابتسمت أنا لفكرة تتربع عرش خلايا مخي "يحمل أحمد صندوقاً، إذاً لن يصافح إيليشيا".

غمزت لي إيليشيا بشقاوة وسألتني مالذي افعله هنا، أخبرتها أنني كنت اصلي ووجدت أحمد في الطريق، واخبرتنا ايليشيا انها مشغولة جداً فقد استطاعت ان تشترك مع مجموعة من الزملاء لتجهيز الجناح الهندي، وعندما ذهبت ايليشيا نظر الي احمد وقال : (تصلين ... مممم...هذا جيد) .. كان هذا التعليق كافياً لأكون حانقة مرة أخرى وقلت بلهجة مستفزة تجمع موضوع الصلاة والمصافحة (نعم .. أن تكون في أمريكا لا يعني أن تنسى تعاليم "دينك" الاسلامي")، ابتسم لغضبي واكمل طريقه وانا امشي خلفه حانقة (كلهم يفكرون بذات التفكير، أن أكون طالبة في دولة أجنبية يعني أن أكون سيئة) هذا ما كان يدور في بالي حتى وصلنا للكشك رقم ٣٢ .. 

وضعت الصناديق الصغيرة في الداخل، واستأذنته بالرحيل، فقال: (شكرا جزيلا، ... أنا لم أقصد شيئاً منذ قليل، فقط أظنه من الرائع أن تستمع لشخص يقول انه يصلي) ... لم أرد عليه ... (لا تكوني هكذا، لا تكوني جادة إلى هذه الدرجة!) ... أيضاً لم أرد عليه ... (أخبرتني اليشيا انك غضبتي لمصافحتي لها، لا أعرف لماذا ولكن لا يعني هذا أنني انسان سيء) ... نظرت إلى عينيه وهو يتحدث فهدأت قليلاً وقلت (أتمنى لك التوفيق) ... (ولكن لم تخبريني يا ليلى، هل ستشاركين معنا؟) ... (قلت لك لا) ... (ولكن عدد الطلبة الاماراتيين هنا قليل مقارنة ببقية الجاليات) ... كانت هذه الكلمات كافية ليسقط قلبي على الأرض بقوة، توترت ولم تكن تعابير وجهي مفهومة، هل يقصد مساعدتهم بشكل عام ام انه يقصد ان اساعدهم كفتاة إماراتية،،،، 

(تراني سمعتج من يومين ترمسين فالتيلفون عند باب الكوفي، بصراحة أنا كنت حاس انج عربية لكن ما كنت اعرف انج اماراتية)... تجمعت الدموع في عينيّ دون أن تسقط، شعرت بأنه كشف سر كنت احاول المحافظة عليه. (انا ما قصدت والله لكن انتي ما شفتيني؟ انا كنت واقف عند الباب اتريا سياره ربيعي) ... هززت رأسي بالنفي .. وتحدثت معه بلغه انجليزية (أنا ذاهبة) ... (لا لا اصبري، انزين ليش ما ترمسين عادي؟ محد هنيه من ربيعاتج يعني مب لازم انجليزي) ... أطرقت رأسي وقلت (ماحب، بعدين ليش تسالني بشارك باي قسم بشارك يوم انك تعرف انا من وين؟.........) ... ابتسم هو عندما تحدثت معه بلهجتنا الاماراتيه، وبعد قليل كان صديقه الذي رأيته معه سابقاً يمشي باتجاهنا وهو يحمل أكياس كثيرة ... (دخيلك يا أحمد، أنا مافيني على مشاكل العرب ولا الخليجيين، لو سمحت لا تخبر حد) ... (ليش انزين؟؟؟؟) .... (هذا شي راجع لي .. رجاءً) ....

(خالد، هذه ليلى .... ليلى هذا خالد من السعودية) .. تحدث أحمد بلغة انجليزية مما جعلني اشعر بنوع من الراحة (تشرفت بمعرفتك يا خالد) ... (الشرف لي يا انسه ليلى، ألم أركِ في مقهى السعادة منذ يومين؟) .. (أظن ذلك) ... هنا جاءت فتاة شقراء وطويلة تلبس كنزة صوفية، تنورة قصيرة و"بوت" ... ضربت كتف أحمد بخفة وتحدثت بلكنة بريطانية (أحمد إذا هنا الكشك الخاص بدولتكم؟، أتشوق لمعرفة تراثكم وعاداتكم، مرحبا خالد، انت هنا ايضا..) نظرت اليّ وهي مبتسمة وقالت (مرحبا) ... (اهلا ...) كان ردي مقتضب وأنا انظر إلى أحمد الذي رفع حواجبه عندما شاهد نظرتي الحانقة ... (سعدت بلقائكم جميعاً .. أتمنى لكم التوفيق ... إلى اللقاء) ... وهكذا تركتهم ... وتركت هذا الأحمد ... الذي جعلني أسمع صوت أنفاسي الغاضبة وأنا متجهة إلى الخارج، يصافح ايليشيا يوماً، وتربِت على كتفه شقراء جميلة في يوم آخر، ثم ماذا؟


No comments: