Saturday, March 2, 2013

مقهى السعادة ،،،، (١١) ،،،


تيد: كيف حالكِ يا ليلى؟
ليلى: أنا بخير يا تيد، هل تشارك في الفعاليات؟
تيد: ليس تماماً، أنا أساعدهم في أعمال الكهرباء والإضاءة، مقابل مبالغ مالية بسيطة
ليلى: هذا جيد!  … 
تيد: تبدين جميلة اليوم … 
ليلى: ممممم ... شكراً! ....

لم يكن رد تيد سبب ارتفاع حرارة وجنتيّ، فإطراء مثل هذا يعتبر كتحية عابرة هنا!، ولكن ما أخجلني هو وجود أحمد بجانبي، والذي كان بدوره ينظر إلينا وهو مقطبٌ حاجبيه دون أن يتحدث.

تيد: هل أنتي مشغولة اليوم؟
ليلى: لدي بعض المخططات، ولكن ليست بتلك الأهمية، لماذا؟
تيد: هل تتناولين كوباً من القهوة معي؟

أحمد (بتهكم): يا حافظ! يعزمها بعد!!! .... 

ابتسمت ولم ألتفت إليه، أتظاهر بعدم سماعي لما قاله، كنت أنظر لتيد وهو يبتسم لي بتفاؤل، وينتظر ردي الذي كان (شكرا تيد، ربما مرة أخرى، في مقهى السعادة)، نظر إلي تيد وهو يحاول  أن يضحك: (لم أتوقع سوى الرفض، ولكن سأعتبر هذا وعداً)، ابتسمت وأنا أنظر إلى تيد، ولكن قبل أن نكمل الحوار، وجه أحمد الحديث لتيد قائلاً: (أعذرني، نحن مشغولون الآن) ثم التفت إليّ بنظرة مبهمة تماماً وقال: (هيا بنا، لدينا الكثير من العمل لننهيه)، لم أعرف ما هو العمل الذي يجب أن ننهيه! .. ولكني لم أمانع أن أترك تيد لأمضي بعضاً من الوقت مع أحمد! ... 

أحمد وهو يمشي أمامي: يعني وايد عايبنج هالحَمَر؟
ليلى: رجاءً تحدث بلغة إنجليزية ... 
أحمد دون أن يلتفت: مابرمس انجليزي ولا شي ،،،
ليلى: إذاً لن أرد عليك!! ... 
أحمد: لا تردين، المهم تعالي براويج شو سوينا اليوم فالسكشن مالنا
ليلى: ....... ...... .......
أحمد: السفارة طرشت لنا أشياء عن الامارات، وفي اشياء يتنا من الدولة، ماقصروا الشباب هناك طرشولنا وايد أغراض ....
ليلى: ...... ..... .......
أحمد: بتين باجر صح؟ .... بتخبرج أنا أرمس منوه؟ 

إلتفت أحمد وراءه فوجدني أمسك بهاتفي وأمشي خلفه دون أن أعيره أي اهتمام، فاشتاط غضباً مرة واحدة وتحدث باللغة الانجليزية (أنا أتحدث معكِِ!!) .... رفعت رأسي وابتسمت له: (حقاً؟ ... ما الذي كنت تقوله؟) .... فرد علي مرة أخرى: (سلامة راسج) ...

وصلنا إلى القسم الإماراتي، لم أقترب كثيراً فقد كان هناك أكثر من شاب يعملون، منهم من يرتب طاولة التقديم، ومنهم من يعلق بعض اللوحات، وآخر يقف يعطي التعليمات، انقسم المكان إلى قسمين، قسم تراثي بحت، وقسم متطور إلى أقصى حد، ابتسمت وأنا أرى برج خليفه وقصر الإمارات، وعلى الجانب الآخر صور نساء كبيرات السن يعملن "بالتلي" و"الخوص" وبعض "البراقع" معلقه وأخرى غلفت كهدايا، وصور لرحلات بحرية وصيد اللؤلؤ، كان ينقص هذا القسم فقط بعض الأهازيج ورائحة القهوة! ...

ليلى: .... أحب الإمارات ....
أحمد: ما رأيك؟ 
ليلى: أحببت المكان كثيراً، اشتقت للدولة! 
أحمد: اختلف الشباب بين الماضي والحاضر وانتهينا بهذا الحل ...
ليلى: جميل أن نرى تراثنا وحضارتنا وتطور الدولة في نيويورك ...
أحمد: ها بتين باجر؟
ليلى: نعم؟
أحمد: يا من شراله من حلاله عله .... (وبالانجليزية): هل ستأتين غداً؟
ليلى: ان شاء الله ... يجب أن أذهب الآن ...
أحمد: أليس الوقت مبكراً للرحيل؟
ليلى: سأذهب لجي-سان وإيليشيا، ثم سأذهب للتسوق، سأسافر قريباً 
أحمد: متى؟
ليلى: الأسبوع القادم ،،، ان شاء الله ...  أحمد؟؟
أحمد: لبيه ... أقصد: نعم؟ 

نظرت إلى الأسفل، بالأحرى إلى حقيبتي، وأخرجت الكعك وفاصل الكتب، كانت دقات قلبي تنبض بشدة، هذه أول مرة أهدي أحداً وبالأخص "شاباً"، لم أكن أعرف كيف سيتقبلها ولم أعرف ماذا سأقول ... أغمضت عينيّ بشدة ومددت يديّ الاثنتين نحوه لأقدم له هديتي المتواضعه ... ولم أفتحهما إلا بعد أن شعرت بأن الثقل خف عن يديّ ... وهمست (مشكور) .... !! 

ابتسم أحمد وهو يتفحص فاصل الكتب والكعك وقال: (لي أنا؟) ... (نعم) ... (شكراً جزيلاً!!) ... كنت مترددة جداً وأشعر بالخجل، كنت أتمنى أن تأتي جي سان الآن لينتهي هذا الفصل من القصة! ... تتحرك عيناي بعشوائية  لأتأكد إن قد رآنا أحد والسبب الأهم، لكي لا أنظر إليه .... (شكرا، هل هناك مناسبة) ... (مممم، كلا، اعتبرها هدية شكر عن ذلك اليوم) ... (أي يوم؟) ... (أحمد، ذلك اليوم) ... (أي يوم؟ أخبريني؟) .... (عندما ساعدتني) ....

وكعادتي عندما أشعر بالتوتر، أتلعثم بالكلام كثيراً ... (ممم أتمنى أن يعجبك فاصل الكتب، لا أعرف إن كنت تحب القراءة، فقد أعجبني وتذكرتك ... الكعك .. نعم الكعك أيضاً من عند جدتي، لذيذ جداً وأحب تزيينه، هي تخبزه كل صباح وبعد العصر أيضاً ... هل تحب الكعك؟ ... يبدو أنني لبست الكثير من الثياب فإن الجو ليس بارداً كما يبدو ... ما رأيك؟) 

كان ينظر إليَ أحمد وهو مبتسم أما أنا فقد كنت أرمش كثيراً بعينيّ وألتفت كثيراً، كنت أشبك أصابعي تارة، وأضبط غطاء شعري تارة أخرى، أما هو فكان ينظر إليّ دون أن يرد، في الحقيقة كنت أتحدث بسرعة فائقة ولم أعطه الفرصة بأن يرد عليّ، وعندما أتنتهيت رفعت رأسي منتظرة ردة فعله! ... 

أحمد: هناك ماكينة قهوة في الخارج، لا استطيع تناول الكعك بدون قهوة ...
ليلى: ...... !

لم ينتظر ردي كان يمشي وأنا أتبعه كالعادة! ... لم يطلب مني أن اتبعه! .. لا أعرف كيف استطاع شخص ما أن يتحكم بمشاعري هكذا، كنت أنظر إليه ... طويل، طويل جداً ... لا يحق لي أن أتبعه ولكنني أفعل ... أنيق .. هذه الأناقة تناسبني ... متعلم ... وهذا العلم يناسبني ... وسيم ... بالنسبة إلىّ هو وسيم ... وهذا القدر من الوسامة ... يناسبني ... وددت للحظة أن أمسك بملابسه من الخلف، ولذلك أحكمت القبضة على هاتفي لأبعد هذه الأفكار، مررنا بالقسم الهندي، فلوحت لإيليشيا بهاتفي ... فنظرت إليّ بعينيها الجميلتين وكأنها تلقت صفعه على وجهها! ... أشرت لها من خلف أحمد بأن تراسلني ،،، وأكملت الطريق ... 

وقبل أن نخرج وصلتني رسالة نصية من إيليشيا (من أنتي؟) ... لم أتماسك نفسي فضحكت وأنا أرد عليها (حقيقةً لا أعرف!) .... (إلى أين أنتي ذاهبة؟) .... (إلى ماكينة القهوة) ... (وماذا أيضاً؟) ... (إيليشيا ... هههههه لن أخبرك) .... أنا أعرف أن هذا الفضول سيقتل صديقتي الصغيرة، وأعرف تماماً أنني يجب أن أجهز ردوداً ديبلوماسية لأسئلتها التي ستمطرني بها لاحقاً .... فأرسلت (لو لم أكن مشغولة الآن للحقت بكما، ولكن لا بأس .... سأنتظر التقرير) ...

هنا اصطدمت بظهر أحمد بقوة فوقع هاتفي، فالتقطه أحمد وناولني إياه بينما كنت أضع يدي على وجهي، لم أنتبه أننا وصلنا لماكينة القهوة ولم أنتبه أنه توقف فجأه لانشغالي بمراسلة إيليشيا ... كنت أضع يدي على وجهي متظاهرة بالألم .. ولكن في الحقيقة الألم الذي كنت أشعر به هو ألم نفسي جعلني أشعر بعشرة كيلوغرامات من الإحراج ... وددت لوهلة أن أبدأ في البكاء، نعم! نحن الفتيات هكذا، عندما نشعر بالحرج نشرع بالبكاء! ...  ولكن تظاهري بالألم كان يكفي ... 

أحمد: إنتي ما تشوفين؟
ليلى: شكراً !!! 
أحمد: بسج من هالتيلفون ... !
ليلى: انزين سوري ما شفتك! ....
أحمد: منوه تكلمين؟
ليلى: نعم؟ ... ما يخصك! ...
أحمد: زين ما كسرتيني ... برفع عليج قضية ... 
ليلى: يالله عاد!! ... ما يسوى عليك! ... بعدين أنت اللي وقفت فجأة!
أحمد: خديه ما تنلامين ... لو انتي منتبهه جان ما كفختيني ...
ليلى (بنبرة مستاءة): قلت آسفة ..
أحمد (مبتسم) ... : سامحتج ... شو تبين؟
ليلى: كابتشينو 

ناولني أحمد الكوب الأول، ثم تناول هو كوباً آخر من الكابتشينو، جلس على عمود مربع قصير من الحجر وجلست أنا على العمود الآخر بعيدة عنه بمسافة كافية، أخرج الكعك وناولني كعكة شكلها كأيل، وتناول هو كعكة على شكل رجل الثلج، كنت أقضم الكعكه بخجل، لا أحبه أن يراني آكل أمامه، ولكن لا بأس ..

أحمد: شو تدرسين بالضبط؟
ليلى: باكلريوس، إدارة أعمال ... وانت؟
أحمد: اكمل ماجستير ... 
ليلى: الله يوفقك ... 
أحمد: ليش ما تحبين ترمسين عربي جدام حد؟
ليلى: قلت لك ماحب ..
أحمد: إنزين ليش ... 
ليلى: ... أنا بروحي في نيويورك، وما أحب حد يسويلي مشاكل
أحمد: إنتي وين عايشه؟ ... منوه بيسويلج مشاكل هنيه؟
ليلى: أنت مب بنت ... ما بتعرف عن اشوه ارمس ... 
أحمد: صح أنا هب بنت لكني ولد عرب، هب معناته ما نرمس عربي يعني نحن بخير
ليلى: ........... هذا شي راجع لي ... 
أحمد: وايد معقدة الموضوع ...
ليلى: أتمنى ما تتكلم عربي جدام حد لا تحرجني ...
أحمد: وربايعج يعرفون؟
ليلى: طبعاً .... 
أحمد: أي سنة؟ ... 
ليلى: هذي الثانية، يبقالي سنتين،،، وانت؟
أحمد: هذا الكورس الأول لي ... منو هذا تيد .. 
ليلى: ماي بوي فرند! 
أحمد: شووووه؟
ليلى: يعني منوه يعني؟ واحد 
أحمد: تراني شفته انه واحد ... لا تستهبلين ... صدق منوه؟
ضحكت على (لا تستهبلين) وأجبت: اخو بنت صغيره اعرفها، امس اول مره اجوفه
أحمد: انزين هو شو يبا الحين؟
ليلى: يسلم بس!
أحمد: أيواا!! يسلم بس!!! 
سمعت صوت هاتفي، رسالة نصية (كل هذه المدة قهوة يا ليلى؟) ... ابتسمت ووضعت اصابعي على عيناي ... صادقة إيليشياً .. لقد نسيت نفسي!!! ... 

ليلى: اسمح لي ... انا بروح أحين
أحمد: وين؟ ... 
ليلى: عندي شغل! ... فمان الله
أحمد: باجر؟
ليلى: إن شالله ... موفقين ...
أحمد: شكراً على الهدية،،، البسكوت حلو ،،، وفاصل الكتب جميل ،،، بس ما عندي الا كتب الجامعه حالياً ...
ليلى: العفو،،،،، خلاص استخدمه لكتب الجامعة ... مع السلامة
أحمد: الله يحفظج

أنا، لم أعد للمسرح، كنت أتمسك بحزام حقيبتي وأنا أتوجه لبوابة الجامعة، نسيت أنني وعدت جي-سان أنني سأمر عليها، ونسيت أن إيليشيا تنتظرني، كنت أمشي ولا أشعر بذلك البرد الذي عادةً يجعلني أتلثم، بل كنت أستنشق الهواء كأنني في جبال الألب! ... ربما سيصدم والدي كثيراً عندما يدفع عن بطاقتي الإتمانية، فطاقتي الإيجابية اليوم كفيلة بأن تجعلني أشتري هدايا لكل الناس حتى (ماريا) خادمة والدتي!...... أنا الآن في مزاج جيد للتسوق، للدراسة،،،، لأي شيء آخر .... أنا أحب .... نيويورك! ....

Monday, February 18, 2013

مقهى السعادة ،،،، (١٠)



استيقظت الساعة الخامسة صباحاً على صوت المنبه، أخذت نفساً عميقاً وأنا أحتضن وسادتي بكسل شديد، هنا في نيويورك أفتقد بشدة صوت الأذان، حيث أنني اعتدت على الاستيقاظ على صوت الأذان في مدينة أبوظبي دون الحاجة إلى منبه، وذلك لقرب المسجد من منزلنا.

أما هنا فقد اضطررت لاستخدام المنبه، بالنسبة لي لا يوجد تنبيهين بصوت واحد، فلصلاة الفجر يكون صوت المنبه زقزقة عصافير وصوت حفيف الأشجار، هكذا أستيقظ براحة دون فزع. بينما إذا كانت لدي مهام صباحية فالمنبه يكون بصوت أعلى ومزعج قليلاً، أما حينما يحين موعد الصلاة فإن لدي برنامجاً خاصاً قد ضبطت إعداداته لينبهني بصوت واحد فقط (تيت)! .. 

تقلبت قليلاً على فراشي الوثير، استرجعت ما حدث البارحة، وراجعت بشكل سريع خطتي التي سأنفذها اليوم، كل ذلك على صوت حفيف الأشجار الذي سمعته عدة  مرات أخرى لكسلي الشديد فالاستيقاظ، هذا رغم أنني قد نمت باكراً جداً على غير العادة وهنا تذكرت أنني لم أنتهِ من مهامي الدراسية؛ ولذلك قررت عدم العودة إلى فراشي بعد أداء الصلاة! ..

بعد أداء الصلاة وضعت سماعات "الايبود" في أذني وأنا أردد أذكار الصباح مع العفاسي، وفي نفس الوقت أعد لنفسي كوباً من القهوة وشطيرة من الجبن الذائب، انتهيت من تناول فطوري مع انتهاء الاذكار، وهنا وبتردد وخجل بيني وبين نفسي انتقلت من قائمة الأذكار إلى قائمة صباحات فيروزية قمت على أنغامها بترتيب غرفتي وتنظيف الأطباق وتجهيز جو الدراسة.

كانت خطتي كالتالي: أنتهي من الرتوش النهائية لآخر بحثين، أرسل بريد إلكتروني لجي-سان أذكرها بوضع الرتوش الأخيرة في بحثنا الأخير لتكون هي المسؤولة عن تسليمه، أذهب لمقهى السعادة وأشتري بعض الكعك المحلى لأحمد .. هممم حسناً لا استطيع أن أعطيه فاصل الكتب وحده! ولذلك قررت أن أهديه بعض من كعك جدتي الذي تعده خلال (الكريسماس) بأشكال جميلة وملونة .. ثم الذهاب إلى الجامعة رغم أنني لست مرتبطة بأي محاضرات إلزامية خلال الأيام المتبقية! .. هو فقط .. الفضول .. الشوق؟ ... لا أعرف .. في الحقيقة أردت أن أرى .. أحمد ..

عند الساعة التاسعة كنت قد انتهيت من آخر الرتوش الخاصة بدراستي، حتى أنني سلمت آخر بحثين عن طريق البريد الإلكتروني، ويتبقى فقط البحث الأخير الذي ستسلمه جي-سان، الآن لدي متسع من الوقت للتحضير للإمتحانات والتسوق قبل العودة إلى الدولة. أخبرتني إيليشيا أنها ستكون في الجامعة بعد الساعة العاشرة والنصف، ولذلك بدأت الاستعداد للذهاب.

اخرجت ملابساً عديدة كنت أبدل ما بينها! في كل مرة أجرب قميصاً أغيره باحثة عن الأجمل وهكذا مع بقية الملابس، حتى استقريت على قميص أسود ذا عنق مرتفع، ارتديت فوقه كنزة صوفية بلون قمحي أنيق وشال ذو أشكال هندسية بعدة ألوان منها القمحي والأسود، و"جينز" أسود، وأكملت ملابسي بحذائي الجلدي الأسود الطويل والمبطنة أطرافه بالفرو ، عندما ألبس هذا الحذاء أشعر أنني أنيقة حيث أنه يضيف بضعة سانتيمترات إلى طولي. 

ابتسمت عندما رأيت نفسي في المرآة "لمسات أخيرة" لم أكن أضعها سابقاً إلا في المناسبات، أخذت حقيبتي ثم اتجهت إلى جدتي التي ما إن رأتني حتى قالت (ليلى! تبدين سعيدة اليوم!) .. كلا يا جدتي! أنتي لا ترين السعادة في وجهي فقط أنتي ترين "الماسكرا، حمرة الخدود، وأحمر الشفاه الزهري"، ابتسمت لها وشكرتها، ثم أخذت منها الكعك وتوليت أنا تغليفه في علبة صغيرة وأوراق ملونة، فلا تمانع جدتي أن أخدم نفسي بنفسي في مقهى السعادة، ثم وضعت اللمسة الآخيرة وهي اللاصق الذي كتب عليه (هنا فقط الكعك والقهوة تجعلك تبتسم) ..

في الحافلة لم أكن أنظر لشوارع مدينة نيويورك مثل كل مرة، لم يشرد ذهني مع زينة الكريسماس ولوحات الشارع، بكل كنت أنظر إلى إلى علبة الكعك وأنا أبتسم .. يا ترى هل ستبتسم يا أحمد عندما تتناول كعك جدتي؟ .. هل ستتقبل هديتي؟ .. وكلما تعمقت في أفكاري كانت تتسع ابتسامتي معها، ابتداءً من هذه العلبة الصغيرة وحتى استلامه لها، توقفت الحافلة بالقرب من الجامعة وأخفيت علبتي الصغيرة في الحقيبة.

التقيت إيليشيا وجي-سان أمام باب الجامعة، لم تستطع إيليشيا أن تهدأ طوال الطريق إلى المسرح، فهي تلمس خدي، وتمسك بحقيبتي وتدور حولي وتنظر إليّ بتلك العينين الجميلتين بلؤم شديد وهي تسأل (لماذا كل هذا اليوم يا ليلى؟، تبدين جميلة جداً، هل كل هذا لأحمد؟ ... إلخ) من جميع أنواع الأسئلة المحرجة التي أعرف مسبقاً أنها تعرف إجابتها تمنيت ألا تواجهني بها، أما أنا فكنت أتحدث مع جي-سان عن اخر مشروع دون أن أرد على إيليشيا، التي تعرف بأنني لا احب أن أضع سوى حمرة الخدود عندما أشعر أنني شاحبة بعض الشيء! .. 

عندما دخلنا المسرح، كان قلبي ينبض بشدة كنت أرى وجه أحمد في كل شخص يمر أمامي، أبحث عنه بين الناس بعينين فضوليتين ولم يقطع عملية البحث إلا استئذان جي-سان للذهاب للقسم الياباني التي وعدناها أن نلقي إليه نظرة لاحقاً، أما أنا فذهبت مع إيليشيا إلي الكشك رقم (٢٥)! حسناً!! إنه قريب من القسم الإماراتي لذلك أفزعتني إيليشيا البارحة! ... 

البارحة! .. كانت هذه الأكشاك عارية من الزينة! أما اليوم فأنا أشعر كأنني في مكان آخر، كأنني في (القرية العالمية) في دبي ولكن بشكل مصغر، من المذهل كيف استطاع الطلاب أن ينجزوا هذا الكم الهائل من التجهيزات خلال هذه الفترة القصيرة جدا.

- ستتفاجئين بي غداً يا ليلى ... 
- حقا إيليشيا؟ لماذا؟ 
- لن أخبرك، ولكن سترينني بشكل مختلف تماماً، مؤكد أن الكشك رقم ٢٥ هو الذي سيفوز .. 
- ربما يفوز الكشك رقم ٣٢ (وانا ابتسم) 
- أي دولة؟
- الامارات
- يستحيل أن يفوز كشك دولتكم على دولتنا، نحن فوزنا محقق سترين ..

ابتسمت لإيليشيا ابتسامة شقية جداً فما كان منها إلا الضحك وهي تضربني على كتفي قائلة (أنتي تقصدين أحمد وليس الكشك! بهووووت مشكلهي ليلى!)

حين وصلنا إلى القسم الهندي كان زملاء إيليشيا يرقصون على أنغام أغنية هندية وقد تجمهر حولهم عدد من الطلبة، وهنا زاد الادرينالين في دم صديقتي الصغيرة فعلقت حقيبتها على رقبتي وذهبت لترقص بين زملائلها بشعرها الأسود الطويل وبتلك الطاقة المرحة جذبت عدد أكثر من الجماهير حولهم وكنت استطيع أن أستمع لتعليقات الطلبة من حولنا حول صديقتي وجمالها ورقصها.هنا أخذت أصور إيليشيا (فيديو) وأنا أضحك وأصور الطلبة من حولها، أما إيليشيا فكانت مندمجة بالرقص هي وبقية أصدقائها والتحق بهم بعض الطلبة الأجانب في جو مرح جداً.

(أوووه! والله مافيها حيلة الهندية) ... أعرف هذا الصوت جيداً، أستطيع أن أميزه بين جميع الأصوات ..  فكان صوته كصعقة كهربائية سرت في كل خلايا جسدي، ومع هذه المفاجأة سقط الهاتف من يدي، التقطه ورفعت رأسي ... يقف أحمد إلى جانبي .. يشجع إيليشيا ويصفق بحماس وهو يرتدي كنزة زرقاء وتحتها قميص أبيض يطويه حتى نصف ساعده ..

وبلغة إنجليزية هادئة تبادلت معه أطراف الحديث ..

- قلت لك أن لا تتحدث معي هكذا ... 
- أنا أعتذر ولكن لا يوجد هنا الكثير من العرب! ...
- أنت ستفضحني (بنظرة بائسة) ... 
- وهل تخجلين من كونك عربية؟ إماراتية؟ .. 
- يا إلهي كلا!! .. ولكن لديّ أسبابي الخاصة! ... 

تقترب صديقتي الصغيرة بابتسامة واسعة وتخذ حقيبتها وهي تلتقط أنفاسها: 

إليشيا: أحمد! مرحبا! (تنظر إلي ايليشا انها لن تمد يدها) .. 
أحمد: رقصك رائع يا إيليشيا! ... 

عضضت على شفتي السفلى لأمنع نفسي من الحديث أو التعبير بملامح وجهي عن استيائي، شعرت بنوع من الغيرة عندما اثنى على رقص إيليشيا! ،،، 

إيليشيا: أحب الرقص جداً ... 
أحمد: هذا جيد، أبهرتي الجميع ... 
إيليشيا: لذلك سوف نفوز عليكم غداً ...
أحمد: لكم رقصاتكم ولنا أجواءنا الخاصة، نحن من سيفوز 
إيليشيا: سأذهب لأساعد زملائي، فهناك الكثير لننجزه، هل انتهيتم؟
أحمد: سننتهي قبل حلول المساء، سنكون جاهزين غداً ... 

كنت أشعر أنني وحيدة هنا دون إنتماء لشيء! ... فالكل مشغول بالترتيب والتزيين والتجهيز، وأنا أتجول هنا بين عدم المشاركة في القسم الإماراتي وعدم تقديم المساعدة لإيليشيا وجي-سان! وبينما أحمد وإيليشيا يتبادلان أطراف الحديث شعرت بأحد يلمس كتفي، ورغم انشغال أحمد بالحديث مع إيليشيا إلا أنه التفت معي في ذات الوقت ليرى من لمس كتفي ... 

- أوه أنتي هنا يا ليلى!!!! 

شعرت هنا بدقات قلبي تنبض بتوتر، تبادلت النظرات بينه وبين أحمد الذي كان ينظر إليّ كأنه يستفسر عن هذا الشخص ... أخذت نفساً عميقاً ... 

- أهلا ... تيد! ... 

Wednesday, February 13, 2013

مقهى السعادة ،،، (٩) ،،،


خرجت من المسرح ولا زلت أشعر بالغضب، أمشي بخطى ثابتة وعسكرية، أقطب حاجبيّ، وتنفسي متسارع من الغضب، لا أحب أن أرى أحمد "أو غيره" يعيشون حياتهم هكذا! لا يفكرون بالحرام والحلال ولا يفكرون أن هناك عادات وتقاليد، توجهت إلى أحد المباني، حتى وصلت إلى المكتب المنشود، وقفت قليلاً، أخذت نفس (بسم الله الرحمن الرحيم) همست لنفسي هكذا وطرقت الباب، رد علي البروفيسور جون بالدخول، وهنا تصنعت ابتسامة وأنا أحيي البروفيسور، وأخبرته أنني أود تسليم البحث، أخبرني أن لدي متسع من الوقت لأسلمه بعد عدة أيام، وأجبته أنني انتهيت منه وأحتاج لوقت أطول للدراسة. استلم بحثي بذلك البرود والحزم الشديد الذي اشتهر به، في الحقيقة كنت خائفة من أن يوبخني لأي سبب آخر، ولكنه تصفح بحثي بصورة سريعة ثم أشاد به.

خرجت من مكتب البروفيسور جون وأنا أبتسم، أن يشيد بمجهودي بروفيسور مثل هذا أعتبره إنجاز استحق أن أكافئ نفسي عليه، أخذت كوباً من ماكينة القهوة وأنا في الطريق إلى الخارج، سأعود مبكراً إلى البيت هذا اليوم، أود أن أنجز بقية المشاريع لأتفرغ للدراسة والتسوق! .. 

هذه المرة لم أستقل الحافلة من أمام الجامعة، كنت أشعر برغبة عارمة بالمشي في شوارع مدينة نيويورك، في هذا الوقت من السنة تتغير الشوارع والمحلات وكل شيء في نيويوك يستعد "للكريسماس" .. شوارع نيويوك جميلة جدا، تتزين أغصان الأشجار بالزينة الملونة، كما تزهى واجهات المحلات بأشجار الصنوبر المزينة بطريقة مميزة، فبعض محلات الحلوى تزين أشجارها بالبسكويت والحلويات، والمحلات الفارهة لا تزين أشجارها إلا بزينة أنيقة تقليدية، ويختلف كل مقهى بتزيينه لأشجار الصنوبر عن الآخر. أنا أحب نيويورك في هذا الوقت من السنة، ليس لأنني سأحتفل معهم في الكريسماس، ولكن لأن المدينة تنضح بالطاقة الإيجابية والفرح.

وبينما كنت أتمشى ببطئ شديد وأنا أشرد بعينيّ بين كل هذه الزينة المبكرة للاحتفال، لفتت ناظري مكتبة صغيرة، استطعت من خلال الزجاج أن أرى إحدى الفتيات ترتدي طوقاً على رأسها على شكل قرون الأيل، والأخرى تلبس قبعة "بابا نويل"، كانتا في قمة النشاط، يتبادلن الحديث وهن يضحكن بشدة، فتحت باب المكتبة ليعلن جرس صغير معلق على الباب دخولي. كانت هذه المكتبة مميزة نوعاً ما، رائحة الكتب، والخشب، وعطور تجعلني أشعر وكأنني في كوخ في ريف سويسري وليس في نيويورك (تفضلي، نحن لم نعلق اللافتة بعد، ولكن لدينا تخفيضات) هكذا قالت صاحبة القبعة الحمراء.

اشتريت رزنامة لوالدتي، وسكين لفتح المظاريف لوالدي، وأخذت شريطاً تستطيع جي-سان أن تلبسه حول عنقها وتعلق هاتفها به، وملصق عليه فتاة غجرية جميلة لجهاز اللابتوب الخاص بإيليشيا، أما أنا فاشتريت بعض الأقلام الخشبية ودفتر صغير،،،،،،،وفاصل كتب خشبي ..... لأحمد ... طلبت من صاحبة القبعة الحمراء أن تلف كل هدية بورق هدايا على حدى، سوى أقلامي ودفتري، خرجت من المحل على صوت الفتيات (شكراً جزيلاً، زورينا مرة أخرى)، خرجت مبتسمة، ووضعت سماعات "الايبود".. وعلى غير العادة لم أكن أشعر بتجمد أنفي من برودة الجو، بل كنت أشعر بالحرارة تتصاعد في وجنتيّ كلما رأيت الحقيبة الورقية الصغيرة التي بين يديّ.

وهكذا نسيت زينة مدينة نيويورك الملونة والتي كنت أشرد معها بعيداً، ولم أنتبه لزحمة شوارعها، كنت أمشي فقط وكأن عقلي الباطن يرشد قدماي إلى طريق مقهى السعادة، وكنت أفكر بالكثير من الأشياء، فكرت إذا كانت مساعدتي لأحمد قرار خاطئ أم لا، وإن كنت فعلا كما تقول إيليشيا أحكم عليه بنفس النظرة التي يحكم فيها بعض أفراد مجتمعي عليّ، فكرت لوهلة إذا كان يمشي هنا معي في شوارع نيويورك! .. هل سيحب أن يقطع المسافة مشياً على الأقدام أم أنه سيحب أن نستقل سيارة؟ تخيلت لوهلة أنه يمسك بيدي بإحكام بينما نحن نقطع الطريق، ربما صوت الموسيقى في أذني، وجو الشتاء البارد، كان يساعد على هذه الأفكار.

وعندما وصلت إلى مفترق الطرق بالقرب من مقهى السعادة، وقفت على قارعة الطريق أنتظر أن يحين الوقت لعبور الشارع، وقف بجانبي شاب أمريكي يقارب طوله طول أحمد! ،، وعندما حان الوقت للعبور فمشيت خلفه وأنا أبتسم ... حسناً، قررت أن أسامح أحمد على ما حدث اليوم، وأن أشكره "متأخراً" على مساعدته لي ذلك اليوم بهدية رمزية، أعتقد أنه لا بأس إن أهديته فاصل كتب ...

دخلت إلى المقهى، ووجدت جدتي تجلس مع صديقها العجوز، احتضنت جدتي بقوة من خلف ظهرها، وطبعت قبلة سعيدة على خدها وجلست بجانبهم (كيف حالك يا سيدي؟) ... (أنا بخير، كيف حالكِ أنتِ؟) .... (بخير، شكراً لك) .... هنا نظرت إلىّ جدتي وهي تبتسم (يبدوا لي أنك سعيدة اليوم يا ليلى؟) ... (نعم فقد سلمت بحثي للسيد جون وأشاد به) ... (ألم تقولي أنك ستعودين مبكراً اليوم؟) .... (اااه! هذا صحيح!!! .. فقد عدت مشياً واشتريت بعض الأغراض في طريق العودة!) ... (تذكرين تلك الفتاة الصغيرة التي اتصلنا بوالدتها؟) ... (نعم إنها آني) ... وهنا أشارت لي جدتي باصبعها باتجاه آني التي لم ترني حتى الان ... (إنها تنتظرك منذ أكثر من نصف ساعة) ... (من الذي معها؟) ... (أخوها، شاب لطيف) ...

استأذنت من جدتي وصديقها العجوز، وتوجهت ببطئ خلف آني وأغمضت عينيها (من أنا؟) ... أمسكت بيديّ وقفزت مبتسمة، (ليلى! تأخرتي!) ... (لم أكن أعلم أنك هنا) ... (تود والدتي شكركِ وأرسلت لك هذه الهدية) ... كانت الهدية عبارة عن منديل أبيض طرز عليه اسمي، و"سكارف" بألوان خريفية ... (لم يكن عليها فعل ذلك! ... شكراً جزيلاً) ... هنا تحدث أخو آني وهو يبتسم (لا بأس فهذا ليس بالكثير، مرحبا أنا تيد) ... أومأت له مبتسمة (انا ليلى) .... (أعتقد أنني رأيتك في مكانٍ ما؟) ... (في بلادي نضرب مثلاً بأن هناك ٤٠ شخص قد يشبهك!) ... ضحك تيد وبدأ يحك شعره الكستنائي ... (أين تدرسين؟) ... (جامعة نيويورك) ... (إذاً أظنني التقيت بك هناك! إنها أول سنة لي في الجامعة) ... (ممكن) ... (هل لديك صديق؟) ... لم أستطع أن أتمالك نفسي من الضحك، فضحكت بشدة ووضعت يدي على شفتاي أحاول جاهدة أن أهدئ ...

تبادل تيد وأخته النظرات، وضعت يدي على صدري وأنا آخذ نفساً عميقا .. (كلا يا تيد، ليس لدي صديق) ... ابتسم تيد وقال سريعا (حسناً هل تودين الذهاب معي لتناول الغداء؟) ،،، هنا وكزته اخته بكوعها فنظر إليها بغضب (ماذا؟) ... أما أنا فشعرت لوهلة أنني أمام (جوي) من مسلسل (فريندز).... ابتسمت وقلت له (لا أستطيع، أنا اسفة) .... (لا بأس، كانت محاولة وفقط) .. شكرتهم مرة أخرى على الهدية، وخرجنا مع بعضنا البعض، ليذهبوا هم في طريقهم، وأتوجه أنا إلى منزلي ،،،

في الطريق إلى المنزل، فكرت في كيفية اعطاء أحمد فاصل الكتب، وأين؟ ومتى؟ ... تذكرت رائحة عطرة القوية فابتسمت، وتذكرت إيليشيا، وهنا اخرجت هاتفي لأجد مكالمة لم يرد عليها، ورسالتان منها (١- ليلى أين أنتِ؟) ... (٢- لا تظني أنني لن أحقق معكي حول "ليلى-مجنون") ... ابتسمت وأنا أدخل منزلي وأوصد الباب من خلفي، ثم علقت شالي ومعطفي بجانب الباب، وخلعت حذائي، وكتبت لإيليشيا رسالة وأنا أتجه إلى الأعلى (ماذا تريدين) ... استلقيت على كنبتي الناعمة وأنا أشعر بأن التعب قد تمكن مني بعد العودة مشي على الأقدام إلى المنزل، رغم رغبتي الشديدة في النوم، إلا أنني كنت أنتظر رد إيليشيا التي كانت تراسلني بصورة فورية:

- ماذا أريد؟ ماذا كنتي تفعلين معه؟
- لا شيء فقط أساعده ..
- اعترفي ماذا قال لك؟ ..
- يعرف أنني إماراتية ..
- حقااااااااااً؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟

كتبت لها باختصار شديد كيف عرف أنني اماراتية، وهنا تخيلت تعابير وجه إيليشيا وعينيها الجميلتين اللتان تتسعان عندما تتفاجىء، ثم اخبرتها انني اشعر بتعب شديد وسأتحدث إليها لاحقاً. اخذت حماماً ساخناً، واستلقيت على فراشي دون القدرة على الحراك، أغمضت عيني وأنا اختفي في فراشي، لم تكن لدي القدرة على الحركة أبداً، ولكن لم ينطبق ذلك على خلايا مخي، فكانت أفكاري تحدث ضجة في جمجمتي، لم تمكنني هذه الأفكار المبعثرة من النوم الا بعد وضع خطة "خيالية" محكمة لما سأفعله غداً.....

Friday, February 8, 2013

مقهى السعادة ،،، (٨) ،،،


رافقتني إيليشيا إلى المنزل، وانضمت لنا جي-سان لاحقاً، كنا نستذكر الدروس ونحاول أن ننتهي من المشاريع التي يجب أن نسلمها هذا الأسبوع، لو لم تكن جي-سان معنا لما انتهينا من شيء، فكلما حاولنا مناقشة نقطة غامضة في المشروع، تقوم إيليشيا بالتعليق بطريقة مضحكة جداً لا يتقنها أحد سواها، فأضحك أنا بشدة مع إيليشيا أما جي-سان فكانت تبتسم بأناقة ثم تسكتنا باسلوب لطيف قائلة (مالذي كنا نقوله؟ نعم ... ) وترجعنا لجو الدراسة مرة أخرى، هكذا حتى أخبرتهم أنني بحاجة لفترة من الراحة وأداء صلاة العصر.

أحب أشعة الشمس التي تدخل من النافذة فترة العصر، ولذلك أضع سجادتي بالقرب من النافذة لأصلي العصر وأقرأ أذكار المساء، في ذات الوقت كانت إيليشيا تحضر لنا شطائر خفيفة، أما جي-سان كعادتها كانت تستغل مثل هذه الأوقات بالدخول إلى صفحة الفيس بوك وفليكر وغيره من مواقع التواصل الاجتماعي.

عندما انتهيت من الصلاة، جاءت إيليشيا ووضعت الشطائر وأكواب الشاي بجانبي على الأرض، ثم ذهبت وأنزلت شاشة جي-سان بتهديد (جي-سان! .. أرجوكِ أن تتركي هذا الجهاز قليلاً، سنتناول الطعام على الأرض)، كانت ردة جي-سان جداً مضحكة عندما أمسكت بيد إيليشيا بفزع (لاااا أنتظري .. أتركي الشاشة ...) .. ابتسمت إيليشيا بِشَر (سأغلق شاشة الجهاز الآن ... واحد ... اثنان ...) عندها فقط تركت جي-سان الجهاز وجلست على الأرض بهدوء بجلسة يابانية أنيقة، هنا عكست أشعة الشمس لون شعر جي-سان الكستنائي الذي كانت ترفع خصل منه بمشبك على شكل وردة، كل شيء في جي-سان أنيق. أما إيليشيا فضربت كفها بكفي كعلامة نصر، وجلست على الأرض"متربعة" مثلي.

بدأت بتناول شطيرتي، حينما قامت إيليشيا بلمس شعر جي-سان (شعرك ناعم جداً يا جي-سان، وهذا اللون يناسبك جداً) .. وأتبعت أنا (فعلا جي-سان، لونه جميل جداً، هل هناك مناسبة لتغيير لون شعرك؟) ، ابتسمت جي-سان ابتسامة واسعة وقالت (صبغته لفعالية "حول العالم في جامعة نيويورك") قطبت حاجبي فأنا لا أعرف عن هذه الفعالية شيء. سألتها إيليشيا عن الفعالية فقالت جي-سان (لقد أخبرني أحد الأصدقاء عن هذه الفعالية، وتم ارسالها لجميع الطلبة على بريد الجامعة الالكتروني، حتماً وصلتكم الرسالة) ..

ضحكنا أنا وإيليشيا وعندما سألت جي-سان عن السبب كان لدينا سبب واحد (نحن لا نقرأ الإعلانات التي ترسل في بريد الجامعة) ... نظرت إلينا جي-سان وقالت: حسناً هذه الفعالية تضم أكشاك صغيرة، بحيث يمثل كل كشك إحدى الدول، وأنا سأشارك في المعرض الياباني. (كيف أشارك؟) هكذا سألت إيليشيا وأخبرتها جي-سان أين ستجد قائمة الطلبة والدول المشاركة، تحمست إيليشيا للفكرة كثيراً. أما أنا فقد كنت استمع لهما بهدوء وأنا أتناول الشاي (ليلى، ألن تشاركي؟) .. أشرت لهما بيدي دون أن أتحدث وكأني أقول لهم (انسوا الموضوع). هنا لم أستوعب ما حدث! حيث شعرت بصفعة على جبهتي بأطراف أصابع إيليشيا الباردة، لم تؤلمني ولكن خفت من صوت الصفعة وردت فعلها الغريبة.

(ليلى؟ .... باقل-هي؟) ... (أنتي الغبية والمجنونة يا إيليشيا) .... (قد يشارك أحمد، هذه فرصة) ... (لنكمل المشروع أرجوكم) قلت هذه الكلمات وأنا أتجهه إلى الطاولة، لحقت بي إيليشيا وجي-سان، عم الهدوء المكان، كل ما نسمعه هو فقط صوت نقرات لوح المفاتيح، حتى انتهينا.

ذهبت في البداية جي-سان حيث أقلها أحد أصدقائها، أما إيليشيا ساعدتني على التنظيف وهي تتحدث عن دون توقف عن ما ستفعله في القسم الهندي (سأحضر تمثال كريشنا ... سأحضر حلوى اللّدو ... يجب أن أختار ملابس جميلة .. أود أن  أكون أنا في الاستقبال....الخ الخ الخ) لم أصغِ لها كثيراً، فكنت أفكر إذا كان هناك قسم اماراتي .. هل سيشارك أحمد؟ ابتسمت عندما تذكرت شكله وهو يرتشف القهوة صباحاً، ثم عقدت حاجبي عندما تذكرت أنه صافح إيليشيا، ومع تغير تعابيير وجهي صفعتني إيليشيا على جبهتي مرة أخرى وهي تقول (أحمد؟) .. فابتسمت.

مر يومان وأنا أذهب إلى الجامعة وأعود العصر منهكة، لم يكن الانتهاء من المشاريع ومناقشة الطلبة ومراجعة الأساتذة سهلاً، لم أكن التقي باليشيا وجي-سان الا وقت المحاضرات، وننهي واجباتنا ومشاريعنا معاً كل مساء "أونلاين". في اليوم الذي يليه أديت صلاة الظهر في زاويتي السرية في المسرح، ثم سمعت أصواتاً كثيرة عند انتهائي من الصلاة، وعندما خرجت وجدت الطلبة والطالبات يجهزون الأكشاك، كانت أشكالهم ممتعة جداً، حيث كانت الأكشاك جاهزة ولكنها عارية من أي نوع من من أنواع الزينة. كنت أمشي بين الطلبة والقي التحية على كل من أعرفهم واتمنى لهم التوفيق، الا الطلبة العرب فقد كنت ابتعد عنهم وكأني لم أدرس معهم مسبقاً.

التقطت بعض الصور بواسطة هاتفي، وقررت رفع بعض هذه الصور في حسابي الفيس بوك، حسابي في الفيسبوك فيه الكثير من طلبة الجامعة، وبعض افراد العائلة، لم يكن حسابي ممتعاً ولم أكن أحدثه باستمرار، وبينما كنت منشغلة برفع الصور سمعت صوتاً بجانبي ... (ليلى) ... أغمضت عينيّ بشدة لعدة ثواني، تسارع نبض قلبي مرة أخرى، أنا أعرف صوته جيداً حتى وان لم نتحدث كثيرا .. فتحت عيني وأنا أضغط عشوائيا على (إرسال) لأرفع الصور دون أي وصف يذكر في صفحة الفيس بوك.

كان ينظر إلي بابتسامة لطيفة وعندما نظرت في عينيه التفت لأبحث عن أي شيء آخر سواه .. وبلهجة أمريكية هادئة قال: (مساء الخير يا ليلى، هل تشاركين في المعرض؟ .. في أي قسم انتي؟) .. كان سؤاله واضح جداً (من أي دولة أنتي؟)، ابتسمت وقلت له أنني لا اشارك ولن أشارك ..

كان يحمل صندوقاً كبيراً وفوقه صناديق صغيرة، تساقطت هذه الصناديق عندما اصطدم أحد الطلبة بكتف أحمد، فحملت أنا هذه الصناديق الصغيرة (سأساعدك، أين نضع هذه الصناديق؟) .. (لا داعي يا ليلى، شكرا جزيلا) .. (لا بأس، انها ليست ثقيلة) .. حسناً لا أعرف لماذا فعلت ذلك ولكن ربما هي ردة فعل سريعة من قبل عقلي الباطن ..  (الكشك رقم ٣٢) .. 

يتوجه أحمد إلى الكشك وأنا خلفه بخطوتين، رائحة عطره قوية ولكنها جميله، كنت أنظر إليه من الخلف .. ملابسه نظيفة ومتناسقة ، شعره بطول مناسب ..يدرس في جامعتي ..  يكمل دراسات عليا .. يكبرني سناً .... لم أنتبه مسبقاً لفرق الطول بيني وبينه، فهو طويل جدا ..... يا الهي مالذي افكر فيه الان؟ .. لو يعرف فقط ما يدور في رأسي!! ...

(ل ي ل ى ى ى  ى ى ى) سمعت هذه الصرخه مع كف يضرب كتفي، فشهقت بصوت عالٍ .. (تبا لك يا إيليشيا .. لقد أخفتني!) .. بصراحة لم يخفني صوت إيليشيا بقدر ما أفزعتني أفكاري التي ظننت أنها تناثرت هنا وهناك خارج جمجمتي! .. ضحك أحمد وابتسمت أنا لفكرة تتربع عرش خلايا مخي "يحمل أحمد صندوقاً، إذاً لن يصافح إيليشيا".

غمزت لي إيليشيا بشقاوة وسألتني مالذي افعله هنا، أخبرتها أنني كنت اصلي ووجدت أحمد في الطريق، واخبرتنا ايليشيا انها مشغولة جداً فقد استطاعت ان تشترك مع مجموعة من الزملاء لتجهيز الجناح الهندي، وعندما ذهبت ايليشيا نظر الي احمد وقال : (تصلين ... مممم...هذا جيد) .. كان هذا التعليق كافياً لأكون حانقة مرة أخرى وقلت بلهجة مستفزة تجمع موضوع الصلاة والمصافحة (نعم .. أن تكون في أمريكا لا يعني أن تنسى تعاليم "دينك" الاسلامي")، ابتسم لغضبي واكمل طريقه وانا امشي خلفه حانقة (كلهم يفكرون بذات التفكير، أن أكون طالبة في دولة أجنبية يعني أن أكون سيئة) هذا ما كان يدور في بالي حتى وصلنا للكشك رقم ٣٢ .. 

وضعت الصناديق الصغيرة في الداخل، واستأذنته بالرحيل، فقال: (شكرا جزيلا، ... أنا لم أقصد شيئاً منذ قليل، فقط أظنه من الرائع أن تستمع لشخص يقول انه يصلي) ... لم أرد عليه ... (لا تكوني هكذا، لا تكوني جادة إلى هذه الدرجة!) ... أيضاً لم أرد عليه ... (أخبرتني اليشيا انك غضبتي لمصافحتي لها، لا أعرف لماذا ولكن لا يعني هذا أنني انسان سيء) ... نظرت إلى عينيه وهو يتحدث فهدأت قليلاً وقلت (أتمنى لك التوفيق) ... (ولكن لم تخبريني يا ليلى، هل ستشاركين معنا؟) ... (قلت لك لا) ... (ولكن عدد الطلبة الاماراتيين هنا قليل مقارنة ببقية الجاليات) ... كانت هذه الكلمات كافية ليسقط قلبي على الأرض بقوة، توترت ولم تكن تعابير وجهي مفهومة، هل يقصد مساعدتهم بشكل عام ام انه يقصد ان اساعدهم كفتاة إماراتية،،،، 

(تراني سمعتج من يومين ترمسين فالتيلفون عند باب الكوفي، بصراحة أنا كنت حاس انج عربية لكن ما كنت اعرف انج اماراتية)... تجمعت الدموع في عينيّ دون أن تسقط، شعرت بأنه كشف سر كنت احاول المحافظة عليه. (انا ما قصدت والله لكن انتي ما شفتيني؟ انا كنت واقف عند الباب اتريا سياره ربيعي) ... هززت رأسي بالنفي .. وتحدثت معه بلغه انجليزية (أنا ذاهبة) ... (لا لا اصبري، انزين ليش ما ترمسين عادي؟ محد هنيه من ربيعاتج يعني مب لازم انجليزي) ... أطرقت رأسي وقلت (ماحب، بعدين ليش تسالني بشارك باي قسم بشارك يوم انك تعرف انا من وين؟.........) ... ابتسم هو عندما تحدثت معه بلهجتنا الاماراتيه، وبعد قليل كان صديقه الذي رأيته معه سابقاً يمشي باتجاهنا وهو يحمل أكياس كثيرة ... (دخيلك يا أحمد، أنا مافيني على مشاكل العرب ولا الخليجيين، لو سمحت لا تخبر حد) ... (ليش انزين؟؟؟؟) .... (هذا شي راجع لي .. رجاءً) ....

(خالد، هذه ليلى .... ليلى هذا خالد من السعودية) .. تحدث أحمد بلغة انجليزية مما جعلني اشعر بنوع من الراحة (تشرفت بمعرفتك يا خالد) ... (الشرف لي يا انسه ليلى، ألم أركِ في مقهى السعادة منذ يومين؟) .. (أظن ذلك) ... هنا جاءت فتاة شقراء وطويلة تلبس كنزة صوفية، تنورة قصيرة و"بوت" ... ضربت كتف أحمد بخفة وتحدثت بلكنة بريطانية (أحمد إذا هنا الكشك الخاص بدولتكم؟، أتشوق لمعرفة تراثكم وعاداتكم، مرحبا خالد، انت هنا ايضا..) نظرت اليّ وهي مبتسمة وقالت (مرحبا) ... (اهلا ...) كان ردي مقتضب وأنا انظر إلى أحمد الذي رفع حواجبه عندما شاهد نظرتي الحانقة ... (سعدت بلقائكم جميعاً .. أتمنى لكم التوفيق ... إلى اللقاء) ... وهكذا تركتهم ... وتركت هذا الأحمد ... الذي جعلني أسمع صوت أنفاسي الغاضبة وأنا متجهة إلى الخارج، يصافح ايليشيا يوماً، وتربِت على كتفه شقراء جميلة في يوم آخر، ثم ماذا؟


Tuesday, February 5, 2013

مقهى السعادة ،،، (٧) ،،،


رغم أنني طلبت من إيليشيا عدم القدوم، إلا أن إصرارها بالتواجد معي كان ما أريده حقاً، في داخلي أشعر بنوع من الحماس لوجود أحمد هنا، ربما لم أتحدث إليه كثيرا، وربما لم ألتق به كثيراً، والأهم أنني لاأبادر بشيء وأخفي عنه هويتي، قد يكون ذلك لقناعتي التامة أن الكثير من الناس في مجتمعنا الإماراتي يرفض فكرة دراسة الفتاة في الخارج، ومنهم عائلتي! .. لا أحب أن أتذكر ردة فعل إخوتي من أبي عندما علموا أنني سأكمل دراستي في الخارج، ولا أحب أن أتذكر ذلك الألم الذي سببته لوالدي، ولكن لم تمانع والدتي ولا والدي أيضاً من دراستي في الولايات المتحدة الأمريكية، فهم يثقون بقدرتي وتميزي الدائم في المدرسة كما أن تحصيلي الدراسي هنا لا يقل عن الممتاز، قد يعتبرني الكثير "متحررة" لتواجدي هنا لوحدي، وقد يظنون بي السوء ولكن أنا أعرف ما الذي أفعله، وسأثبت لهم أن أفكارهم هذه غير صحيحة! ... 

قطع تفكيري صوت إيليشيا المميز والمرتفع عندما دخلت وهي تقول (صباح الخير)، ثم توجهت إلى جدتي وحنت جسمها بطريقة الأفلام الهندية لتلمس طرف قدمها، دهشت جدتي لوهله ثم ما لبثت أن ضحكت بعد أن أكملت إيليشيا ذلك الفصل التمثيلي وهي تمازح جدتي بلغة هندية (كي سا هي نانا-جي؟) وتعني (كيف حالك يا جدتي)،  لم يكن رد جدتي سوى الضحك وأخبرتها أنها لا تفهم لغتها، ثم أخبرتها أنني موجودة هنا (صديقتك تجلس في مكانها المعتاد).

هنا رمقتني إيلشيا بنظرة خاطفة فقط لا غير بتلك الابتسامة التي تحتوي على خمسين كيلو جراماً من الحماس الذي كنت أنتظر أن يشاركني به أحد، نظرت إليها بابتسامة مفعمة "بالحماس" وبعد تلك النظرة الخاطفة كانت هناك النظرة (التفقدية) حيث كانت تحرك عينيها بحثاً عن أحمد، فلم تجده.

التفتت إليّ مرة أخرى بنظرة تساؤلية وكأنها تقول (أين هو؟)، رغم أن أحمد كان يجلس أمام إيليشيا ولكنها لم تره لأنها كانت تقف خلفه، فلم يكن مني إلاً أن زممت شفتاي وأشرت لها بعينيّ تجاهه وأنا أرفع حاجبيّ (أحاول أن أخبرها بمكانه دون لفت الأنظار)، فما كان منها إلا أن أشارت على أحمد بإصبعها وهي تنظر إلي.

التفت صديق أحمد إليّ فجأة. يا الهي! لقد انتبه صديقه أن إيليشيا الغبية تؤشر على أحمد وهي تنظر إليّ في ذات الوقت، فما كان من أحمد إلا أن نظر باتجاهي ثم التفت وراءه ليجد إيليشيا تقف خلفه. أما أنا فتظاهرت بطريقة فاشلة جداً أنني لم أكن أنظر تجاههم.

عدت بنظري إليهم سريعا، فلا فائدة الآن من الاختباء، أو بالأحرى أنا أنتظر صديقتي وأنظر إليها هي "فقط" أو هكذا أقنعت نفسي. وقف أحمد احتراماً لإيليشيا، والتي مدت يدها لتصافحه، هنا شعرت أن الساعة توقفت، عقدت حواجبي باستنكار، وكنت احرك ناظري بين كف أحمد وكف إيليشيا وأنا أحدث نفسي (لا يا أحمد! .. لا تفعل أرجوك! .. لا .. تفع...ل!) ..........

هنا وعندما التقت يد أحمد بيد إيليشيا لم أكن أسمع حديثهم رغم صوت إيليشيا المرتفع، وجدتني أضع يدي اليسرى على صدري، ويدي اليمنى توقفت عن التحرك فوق "الكيبورد"..  تسارع تنفسي حتى أنني كنت استمع لصوت استنشاقي الهواء بغضب، عشرون فكره في الثانية! هذا كان معدل التفكير الذي يولّده عقلي الآن. ثم جاءت ايلشيا ورددت سلامها المفعم بحماس ببرود شديد، 

إيليشيا: ههههه يا إلهي أحمد هنا ... 
أجبتها كمكعب ثلج: أجل ...
إيليشيا (وهي تلتفت وتؤشر لإيمي بأن تحضر): يعجبني هذا الرجل، يجب أن نعرف معلومات أكثر عنه لنطمئن على مستقبلكِ معه.

رغم محاولتها المزح معي، إلا أنني عقدت حاجبيّ أكثر، فأنا لست في حالة الحماس الآن .. ولكن لم تعر إيليشيا اهتماماً كثيراً "لحالتي النفسية"، فتحدثت مع إيمي بعد إنهاء جملتها، أما أنا فكنت أنظر إلى أحمد بنظرة حامقة، وربما هذه الطاقة السلبية كانت هي السبب التي جعلت أحمد يلتفت إلىّ.

وعندما التقت عيني بعينه، نظر إليَ نظرة وكأنه يسألني (هل هناك شيء؟) ... فلم يكن مني إلاً أن أغلقت شاشة "الابتوب" بقوة ثم نظرت إلى الناس في الخارج. وهنا سألتني إليشيا (ما بكِ؟) ... (لا شيء) .. (أخبريني ما بكِ؟ لماذا هذا المزاج السيء فجأة؟) .. (قلت لكِ لا شيء) .. (هل أخبرك ما قاله لي أحمد؟) ... عندما سمعت اسمه عقدت حاجبي أكثر وقلت بشدة (لا) .. (هيا يا ليلى! ... أخبريني) .. التفت نحوها وقلت: (إيليشيا، هل رأيتني أسلم على أحد الرجال مسبقاً؟) .. هزت صديقتي رأسها بالنفي وهي تقول (أنا أعرف أن هذا لا يجوز في تعاليم دينكم الإسلامي، هكذا بعض العائلات الهندية الملتزمة في الهند أيضاً .. ولكن هناك الكثير من المسلمين  ممن لا يلتزمون بذلك)

تبادلنا النظرات بصمت لعدة ثواني .. حتى بدأت إليشيا الحديث: (أنتي غاضبة لأنني صافحت أحمد؟) .. لم أرد عليها وكان هذا كافياً لتعرف إيليشيا أنني فعلاً غاضبة بسبب مصافحته لها! .. لماذا يصافح إيليشيا؟ .. هل هو شاب يصادق الفتيات؟ هل هو من النوع "المتحرر"؟ أنا لا أحب أن ألتقي بشخص مثل أحمد، لا يمانع أن يصافح الفتيات! .. ويعلم الله وحده ما الذي لا يمانعه أيضاً؟ .. استغفر الله .. إن بعض الظن إثم، ولكن مهما كان، لم يكن عليه أن يصافحها .. هنا ضربتني إيليشيا على رأسي وهي تقول "استيقظي" ..

نظرت إليها كالقطة الحانقة، واكملت (لا طالما تحدثتي عن مجتمعكم وكيف أنهم يسيؤون الظن، وأنك عانيتي جداً من أحكامهم عليكِ، والآن أنتي غاضبة لأنه صافحني؟) ... فأجبت بثقة: (أنا لست غاضبة عليك ولكن لم يكن عليه هن أن يصافحكِ!) .. ابتسمت صديقتي الصغيرة وقالت: (إنك تغارين!) .. زاد غضبي وقلت: (ليست غيرة، وإنما ما فعله غير صحيح!) .. رفعت إيليشيا كتفيها بلا مبالاة وأخذت تشرب الشاي الذي كانت رائحة النعناع تفوح منه وهي تقول: (أنتي دائماً تبالغين فربما خجل عندما فاجأته بمد يدي إليه) ... قبل أن أرد عليها .. رن هاتفي ... إنها والدتي! .. وعادةً هي لا تتحدث معي في هذا الوقت المتأخر في الإمارات...


ولأن إيليشيا هنا تحدثت إلى والدتي بلغة إنجليزية احتراماً لها (أهلا أمي! .. كم أنا سعيدة باتصالك ... أنا بخير الحمدلله، أتناول فطوري عند جدتي، نعم نعم في مقهى السعادة، ماذا ؟؟ ممم ... لحظة) .. أشرت لإيليشيا أنني سأعود وخرجت لأتحدث بجانب المقهى.

كنت أتبادل الحديث مع أمي وأنا أمشي ذهاباً وإياباً دون أن أركز في ما أشاهده، فلم أكن أركز في الكتب التي توجد على واجهة المكتبة المجاورة، ولم أكن أركز في وجوه الناس، كنت أتحدث وكل ما أفكر فيه هو ما تقوله لي والدتي، ولم أكن أتحدث هنا سوى بلهجة إماراتية أشتاق لها جداً ،،،

(أمايه! .. مابا أرد لبلاد .. أنزين هم مالهم خص فيني! .. انتي أمي وهو أبوي! هم أخواني من أبوي مالهم خص فيني .. مابا أرررررد ... دخيلج أمايه أقنعي أبويه مره ثانيه! ... أبا أتم في أمريكا، والله ما بطلع فراس السنة من الشقة ولا فالكرسمس لكن بليييييز خلوني هنيه! ...... لا تسأليني ليش، مافيني عليهم نسيتي آخر مرة؟ كلوا قلبي! .... أماااااية دخيلج! ليش إنزين؟ .. مابا أحضر عرس فطامي ...... حتى أنا اشتقت لكم تعالوا انتو عندي بتستانسون! .... يعني مافي أمل؟ .... أنا مابا أسوي لابويه مشاكل مع "عياله" ... بس تراني يوم أرد البلاد ما يخصهم فيني! ... أنا قلت لج! .... ان شاء الله ... ان شاء الله ... حاضر ... هذا الاسبوع مشاريع واللي بعده امتحانات وبرد ان شاء الله جيه زين؟ ... وإنتي بحفظه) .... 

هنا أنهيت مكالمتي مع والدتي وقد نطقت آخر الجمل معها بصعوبة، وذلك لاختناقي بين دموع محبوسة وغصة في حلقي، ابتلعت هذه الغصة بمرارة، ولم أستطع أن أمنع دموعي من السقوط، استندت إلى عمود الإنارة لوهلة استغفرت ربي كثيراً، ثم مسحت دموعي واجبرت عضلات وجهي لأن تتقوس وتبتسم، أخذت نفساً عميقاً محاولة مني أن أهدئ من ضربات قلبي حتى استقرت على ايقاع متناسق من الهدوء الكاذب ...

دخلت إلى المقهى وجلست أمام إيليشيا وأنا أبتسم .. فسألتني (هل أنتي غاضبة لأنني صافحت أحمد؟) .. فأجبت (كلا) .. فسألت (كيف حال والدتك؟) ... (إنها بخير، رفض والدي أن يسمح لي بقضاء العطلة هنا .... أين أحمد؟) ... (لقد رحل منذ قليل، ولكنه سأل عنكِ) أجابتني بابتسامة شقية جداً ...

حاولت تمثيل الدور  "الحزين" بعد مكالمة والدتي وهو فعلا ما كنت أشعر به، ولكن كنت أود إخفاء حماسي بما سمعته الآن ولم أنجح، فابتسمت ببلاهه (حقاً؟ ... ماذا قال؟) .... فأجابت: (سألني لماذا أنتي غاضبة وأخبرته أنك غاضبة لأنه صافحني، فضحك وطلب مني أن ألقي إليك التحية) .... تباً لكِ يا إيليشياً وهل تأتي المشاكل تباعاً إلا بوجودك؟ (لماذا أخبرته!! لم يكن ينقصني إلا أنتي يا إيليشيا!!!!) ..... 

Wednesday, January 16, 2013

مقهى السعادة (6) ،،،


عدت إلى المنزل وأنا منهكة القوى، حاولت عدة مرات أن أضع المفتاح بالشكل الصحيح في القفل لأفتح باب شقتي ولكني لم أنجح إلاّ بعد عدة محاولات. عندما دخلت لم أضيء أي ضوء بل توجهت إلى الدَرَج وأنا أجر قدميَّ  جراً، حتى وصلت إلى كنبتي الحبيبة، وضعت الأكياس على الطاولة وارتميت على ظهري على الكنبة حتى دون أن أخلع حذائي، لم يكن ينير المكان سوى ضوء أشعة الشمس الذهبية عند المغيب، ضوء خافت نوعاً ما! .. شمس الشتاء مختلفة! .. ومع هذا الهدوء، والجو البارد، وكنبتي الناعمة! وإجرام الآنسة جي-سان بنا اليوم، لم أشعر بنفسي.. فغفت عينيّ ها هنا ... 

عندما استيقظت كان الظلام حالكا، دقائق قليلة مرت حتى بدأت عيناي استيعاب ما حولي، نعم أنا في شقتي، على كنبتي،  بعد اليوم المتعب الطويل مع جي-سان! .. ركبنا عدة حافلات، وانتقلنا عبر الميترو، وذهبنا إلى أماكن عديدة في نيويورك حتى تستطيع جي-سان أن تلتقط الصور التي تريدها، أما أنا وإليشيا كنا نمشي وراء جي-سان إما أن نلتقط صور بسيطة هنا وهناك، أو نقترب من بعض ونتحدث بهمس عن آشخاص أمامنا أو حتى جي-سان ونبدأ بالضحك! .. كانت إيليشيا تفسد صور جي-سان عندما تبتعد جي-سان عنا فكريا! .. مما يجعلها تغضب وتبدأ بالتحدث بلغة يابانية فتقوم إيليشيا بالرد عليها باللغة الهندية! أما أنا فكنت أضحك فقط ... 

استيقظت بكسل من الكنبة، وأضأت الغرفة، نظام التدفئة، توضأت وصليت، ثم أخذت كيس العشاء. في نهاية الأسبوع تضج شوارع نيويورك بعربات الطعام! .. كأنها مطاعم صغيرة هنا وهناك! .. وهذه العربات من أمتع ما يكون بالنسبة لي أنا وصديقاتي، فنحن لا نمانع أن نجرب (NYC Street Food). وضعت عشائي على الطاولة ووضعت (الابتوب) بجانبه، كانت الساعة الثامنة مساءً... دخلت برنامج (سكايب)، فلم أجد غير إيليشيا وجي-سان، وبعض زميلات الجامعة .. أرسلت رسالة لوالدتي (أمي، إن استطعتِ، فأنا على برنامج الاسكايب)، وصلتني رسالة من والدتي تفيد أنها في إجتماع ولن تستطيع أن تتحدث معي قبل عدة ساعات!! تناولت عشائي وحيدة وأنا أقرء الصحف الإماراتية (أونلاين) ،،، مع تلك الأخبار المتناثرة و تلك الحروف الكثيرة، قرأت اسم (أحمد)، لا أعرف عما يتحدث الخبر المهم أنني ابتسمت وأنا أسترجع ذكريات الصباح! .. الآن أنا وحيدة وأستطيع أن أحلل الموقف لوحدي دون أي إزعاج من أحد، أو وجود أي شخص ينظر إلى ملامح وجهي التي تفضحني! .. فقط القليل من الوقت ثم أنتهى يومي بسرعة لم أستطع أن أقاوم النوم بعد حمام ساخن طويل، حتى أني لم أُمَّكِن نفسي من التفكير بأي شيء، لازلت متعبة من كثرة المشي هذا اليوم! .. 

ولأنني نمت مبكراً، استيقظت أيضاً مبكراً، صليت الفجر ورأيت الفوضى التي أحدثتها البارحة!، أخذت بترتيب صالتي الصغيرة وأنا أتحرك مع أنغام فيروز (نسم علينا الهوى من مفرأ الوادي ... يا هوى دخل الهوى .. خدني على بلادي)، رتبت ملابسي، وقمت بتنظيف المطبخ. عندما أشارت الساعة إلى الثامنة والنصف صباحاً كنت قد انتهيت من جدول أعمالي المنزلية التي أجبرتني الغربة على تعلمها. غيرت ثيابي، ولبست معطفي الكحلي وغطاء شعري، ثم وضعت قبعة صوفية حمراء على حجابي لتغطي أذنيّ فلا يظهر حجابي بل كأنني ألبس فقط ملابس شتوية أنيقة، ارتديت حذائي الشتوي الذي أحبه، ووضعت (الابتوب) في حقيبتي، وتوجهت إلى الأسفل، آخر لمساتي كانت الشال القطني الأحمر، نظرت إلى نفسي في المرآة ثم خرجت من المنزل وأنا أضع سماعات (الآيبود) في أذنيّ .. 

كنت متوجهة إلى مقهى السعادة، لا يبعد كثيراً عن شقتي، فقط عدة شوارع، وفي طريقي وجدت فتاة صغيرة تجلس على قارعة الطريق في برد ديسمبر القارص! .. عندما نظرت إليها، توجهت إليّ ومدت يدها (أعطني بعضاً من المال، لم آكل شيئاً منذ البارحة)، أعطيتها مجموعة دولارات كانت تستقر في اخر حقيبتي، وكوبون من مقهى السعادة! .. أخبرتها أن تذهب إلى هناك وأن تأخذ كوباً من القهوة الساخنة والكعك! .. شكرتني كثيراً ثم سألتني عن اسمي فقلت لها (ليلى)، وعندما سألتها عن اسمها قالت (آني) ثم استطردت (أنا لست فتاة فقيرة، ولكني تشاجرت مع والديّ وهربت من المنزل) .. أمسكت بيد (آني) وأخبرتها أننا سنذهب معاً إلى (جدتي)، أخبرتها أنني أحب جدتي كثيراً، وأن والدي كانا يتشاجران معي كثيراً، ولكني لم أهرب من المنزل قط! .. كانت ترد عليّ بغضب أنهم لا يحبونها، لا يستمعون إليها، وهكذا كنا نتحدث حتى دخلنا أنا وهي إلى المقهى، كانت جدتي تقرأ (new york times) عندما جئت من خلفها واحتضنتها بقوة وبشدة حول كتفيها، فسمعت ضحكاتها المتتالية وهي تقول (ابنتي!) ..قبلتها على خدها ثم جلست بجانبها وانا أخبر آني أن تذهب إلى (إيمي) وتعطيها الكوبون وهي ستقدم لها القهوة .. ابتسمت آني ثم ذهبت! 

هنا أخبرت جدتي قصة آني التي بدورها تحدثت لاحقاً مع آني بحب، بقلب الأم والجدة، حتى استطاعت أن تقنع آني أن هذه الخلافات تحصل! واستطاعت أن تحصل أيضاً على هاتف والدتها، فحدثتها وأخبرتها أن ابنتها هنا! .. لم تمضي نصف ساعة حتى آتى والدا آني إلى المقهى، كان مشهداً غريباً عليّ، فكانت والدتها تحتضنها بشدة وهي تعتذر لابنتها، أما الوالد فكان يشكرني أنا وجدتي، وآني كانت تحتضن والدتها بطفولة حاولت جاهدة أن لا تبينها لأحد! .. قدمت جدتي الكعك لآني كهدية عند رحيلها مع والديها! .. أما أنا فجلست في مكاني المفضل وأنا أشاهد اكتظاظ الشارع بالسيارات عند مفترق الطرق، ثم وضعت جهازي على الطاولة وأنا أحتسي القهوة، للإنتهاء من متطلباتي الجامعية،،، 

(مرحباً ليلى)،، كان هذا الصوت كافياً لآن أشعر بأن نبضات قلبي توقفت فجأة، ثم تسارعت! لوهلة، ظننت أن قلبي سيقفز من صدري، هنا فقط عقدت حاجبيّ لأركز في آخر الكلمات التي كنت أكتبها ثم ضغطت (حفظ) ورفعت رأسي، كل هذا في عدة ثوانٍ فقط! .. نعم إنه هو! .. أحمد .. نظرت إليه وهو يبتسم ينتظر أن أرد عليه، ثم وقفت وأنا أسأل نفسي (لماذا تقفين يا ليلى؟ في الاتيكيت لا تقف الفتيات! كلا! نحن في الامارات نقف احتراماً للناس ... يا الهي كم أنا متوترة!) .. "مرحباً .. سيد أحمد" هكذا أجبته بلغة إنجليزية بسيطة ... "سيد أحمد؟ .. لماذا كل هذه الرسمية! .. فقط أحمد!!" ... لم أكن استطيع النظر إليه، كنت أبحث عن أي مخرج لأهرب .. عندما أنظر لجدتي فهي لا ترفع رأسها عن صحيفتها .. عندما نظرت لإيمي فهي تخدم الزبائن، لم يكن هنا أي أحد أستطيع الهروب إليه! .. "ممم هكذا أفضل" ... "تستطيعين مناداتي بأحمد فقط، كيف حالك اليوم؟" ... أجبته وأنا أطرق بأظافري على الطاولة "لا بأس، وأنت؟" .. "أنا بخير، أنتظر صديقي أخبرته أننا سنلتقي هنا اليوم" ... لحظات هدوء سادت المكان ... لم أرفع رأسي فيها أبدا ... "هل أنتي عربية؟" .. لم أجبه .. "حسناً لا بأس، آسف على تدخلي، أين إيليشيا؟" .. وبما أن السؤال لا يتعلق بي أجبته بسرعة .. "لا أعرف، ربما تدرس" ... "إن إيليشيا فتاة مرحة جداً" .. ابتسمت ابتسامة صغيرة وأنا أتذكر ما فعلته إيليشيا البارحة وقلت "نعم" ... "تدرسين؟" ... "نعم أنهي بحثي، يجب أن أسلمه هذا الاسبوع" .. "تحتاجين مساعدة؟" ... "لا ..شكرا" ...

عندها شعر أحمد أنه غير مرغوب به، فأخبرني أنه سينتظر صديقه .. واختار طاولة بقرب الزجاج، عندما هم بالجلوس نظر إلي مبتسم ولوّح بيده، نعم! لقد كنت أنظر إليه .. شعرت بالإحراج، فنظرت إلى الشاشة سريعاً وأكملت بحثي وأنا مبتسمة، ثم أسلت رسالة نصية إلى إيليشيا (خمني من في المقهى؟) .. لأجد اتصالاً هاتفياً من إيليشيا .. 

"ليلى! هل هو هناك"
أجبتها وأنا أضحك بصوت خافت "نعم إنه هنا!" 
"تباً لكِ، إنني قادمة"
" لا لا لااااا أرجوكِ يا إيليشيا"
"كلاااا إنتظريني، ولا تدعيه يذهب"
"نعم؟ هل أنتي غبية؟ هل سأمسك به وأخبره أنكِ في الطريق؟"
أجابت بلهجة هندية "أررررييي .... ليلى مجنوووووون .... إنتظريني"
"إليشيا .. تتسببين لي بالمشاكل"
"قادمة" 

عندها أغلقت الهاتف!! وتركتني في صدمة عاطفية! .. عاصفة من الفضائح قادمة إليّ!! ليتني لم أتحمس وأخبرها! ... كان صديق أحمد قد وصل، يبدو أنه عربي أيضاً .. جلس مقابل أحمد فلم يكن يراني،،، أما أنا، تركت بحثي، ووضعت سماعاتي مرة أخرى وأنا أبتسم .. لم أكن أعير أي انتباه لما كنت أستمع إليه .. كنت فقط أفكر بنفسي! لماذا هذا الشعور الغريب؟ .. لا يجب أن أدع حماس إيليشيا وقصصها وأفلامها الهندية أن تؤثر بي! .. نعم يبدو أحمد شخصاً أنيقاً، يحافظ بشكل دائم على ابتسامته، وقد ساعدني ذلك اليوم، ولكن هذا لا يسمح لقلبي أبداً أن يرقص بداخلي عندما أسمع اسمه أو أتحدث عنه أو ،،، عندما أراه! .. أنا بالكاد أعرف بعض المعلومات عنه! ..  ولست صغيرة لأعيش قصص المراهقة .. هنا أقطبت حاجبيّ غضباً على نفسي، وعدت أكمل البحث، وأنا أحاول جاهدة أن لا أسترق النظر! .. تلك القطة الفضولية التي في داخلي ... ستقتلني 

Tuesday, January 8, 2013

مقهى السعادة (٥) ،،،


بينما كنت أمضغ طعامي بسرعة حتى لا نتأخر، وأرتشف القهوة بين الحين والآخر، رأيته يدخل مقهى السعادة بنفس تلك الإبتسامة التي رأيتها آخر مرة، وقف أمام "الكاشير" وبدأ بالتحدث مع إيمي، لا أعرف إذا كان المقهى هادئاً أم هدأ كل شيء بدخوله إلى هنا، أنا مدركة أنني الآن لا أرى شخصاً آخر سواه، عادت بي الذاكرة إلى أسابيع قد مضت.

في ذلك اليوم كنت أنتظر إليشيا و جي-سان وأنا أجلس بالقرب من نافورة الجامعة، كانت أشجار الخريف الملونة مريحة جداً فلم أرغب بأن أنتظرهما في مكان مغلق، هنا الهواء عليل، والمنظر أمامي كأنه صورة مرسومة لنافورة مياه، وأشجار ملونة وطلاب.

كنت مشغولة بالانتهاء من اللمسات الأخيرة على البحث الذي يجب أن أسلمه اليوم حينما بَدَأتُ بسماع صوت شخص يتحدث بجانبي ولكن لم أرفع عيني عن شاشة "الابتوب"، بعد ثوانٍ معدودة ... أيقنت بأن الحديث كان موجاً إليّ أنا، فنظرت بطرف عيني فقط دون أن أرفع رأسي لشاب أمريكي، كان يتحدث عن حجابي وسبب وجودي هنا ولماذا لا أعود لبلادي، وهكذا. 

لم أعتد على أن يتحدث معي أحد بهذا الأسلوب، يبدو أنه لم يكن في وعيه! .. لذلك أكملت الطباعة ولكن بتوتر أكثر، فلم يكن هناك أحد معي، وراودتني أفكار عديدة شتتني عن بحثي، زاد معدل خفقان قلبي، ورغم برودة الجو إلا أنني أحسست بحبات العرق تنزل على رقبتي من شدة التوتر وللأسف "الخوف". 

تظاهرت بأنني لا أعيره أي اهتمام، وكل ما فعلته هو الضغط على (حفظ) وأغلقت الابتوب. وعندما أخذت حقيبتي وهممت بالرحيل من هذا المكان، بدأ صوته يرتفع أكثر فأكثر، أخبرته بأن يبتعد عني وأن لا يتحدث معي، حاولت أن أخبره أنني طالبة هنا، ولكنه استمر بالصراخ حتى لفت نظر الطلبة. عضضت على شفتي وأنا أشعر برهبه ولا أعرف ما الذي عليّ فعله. وعندما بدأ بالاقتراب مني، ابتعدت أنا عنه! .. فما كان منه إلا أن حاول أن يلمس حجابي.

عندها فقط جاء أحدهم ليقف بيني وبينه ويدفعه عني بعيداً، ارتفعت اصواتهما ولم أكن أعي ما يحدث حولي بالضبط، حتى جاء هذا الشخص وهو يتحدث إلي بلغة انجليزية أنيقة (لا تخافي، إنه ثمل!) ...أطرقت رأسي بخجل وألم، وأكمل (لا بأس، لقد ذهب الآن) ... عندها وصلت إليشيا ووقفت بجانبي دون أن تتحدث .. شَكَرْتُه بلغة إنجليزية أيضاً، وأخبرته أنني كنت انتظر صديقاتي، عندما بدأ هذا الغريب بالصراخ عليّ دون سبب.

ضحك هو، وأخبرني مرة أخرى بلغة ساخرة (إنه ثمل حد الثمالة! ماذا تنتظرين منه!)، رفعت رأسي على صوت ضحكته والتقت عيني بعينه شعرت لوهله أن الزمن قد توقف هنا! فالتَفَتُ بعيداً بتوتر وأنا أوجه الحديث لإليشيا (ضايقني أحدهم وساعدني هذا الشاب) .. ابتسمت إليشيا ابتسامتها الجميلة ونظرت إليه (شكراً لك، يبدو أنك المنقذ! ليلى لا تحسن التصرف في هذه المواقف)!! 

تباً لكِ يا إليشيا!! لماذا ذكرتي اسمي امامه! .. نظرت إليها نظرة تهديد! فضحك هو وسأل: (من أين أنتم؟) .. ضمت إليشيا كفيها إلى بعضهما البعض كما تفعل حين تصلي وقالت (نماستي! .. أنا من الهند .. أما صديقتي ... ) هنا وكزتها بكوعي حتى لا تكمل!، وأخبرته أنني (مسلمة!) .. ابتسم هو ابتسامة أعتقد أنه ظن أنني لم أفهم سؤاله، أو فهم مقصدي بأنني لا أحب أن أتحدث أكثر، حينها رأينا جي-سان من بعيد، فشكرته مرة أخرى وسحبت إليشيا من يدها لأجبرها على الذهاب معي إلى جي-سان، فقد أتت في الوقت المناسب.

ظلت إليشيا تسألني عن أدق التفاصيل عدة أيام، وأخبرتها مراراً وتكراراً بالقصة وأنني لم أره جيداً ليعجبني أم لا. كانت إليشيا غاضبة لأننا لم نسأله عن اسمه أو من أي بلد يكون! .. وكانت تحيك وتنسج قصص خيالية قائلة (قيس وليلى في نيويورك) .. إليشيا لم تكن لتهدأ حتى استطاعت أن تعرف بعض المعلومات عنه! .. هو من نفس بلدي! .. مبتعث في كلية العلوم السياسية، يكبرنا في العمر ولكنه الأقرب لعمري أنا! ..  بعد هذه الحادثة لم نره إلا مرة واحدة في مكتبة الجامعة، كنت أقف بعيداً عندما قامت إليشيا بالقاء التحية عليه وتبادلت معه الحديث! .. 

(هيا يا ليلى!!! .. انك لم تمضغي الطعام الذي في فمك ولم تنتهي من القهوة التي أمامك!! إن الحافلة على وشك الوصول!) .. هكذا استيقظت على صوت جي-سان الرقيق، واغمضت عيني سريعا ثم نظرت إلى إليشيا التي يبدو لي أنها كانت تنظر إلي وتضحك في الفترة التي غبت عنهما "فكريا"، عندها نظرت إلي إليشيا وغمزت بغمزة خبيثة وهي تقول: (منذ أن دخل أحمد إلى هنا وأنتي في عالم آخر، لقت التقطت لكِ صورة للذكرى) .. هنا شعرت بإحراج شديد!! شعرت بالدم يفور في وجنتيّ (يالكِ من سخيفة يا إليشيا!!)، (أجابت وهي تضحك، على العموم هيا بنا وصلت الحافلة).

قمت بتفقد وجهي من خلال مرآتي الصغيرة، ثم تفقد ملابسي ومظهري، ولم تستطع إليشيا أن تتركني في حالي! .. (إنك جميلة لا حاجة لكل هذا!!) .. تباً لك يا إليشيااااا!! نظرت إليها بتذمر وأنا أتحرك بتوتر وكأنني لم أرى "أحمد" الذي اختار طاولة بقرب الباب، لا أعرف إن كنت أتظاهر بعدم الاهتمام بسبب وجود إليشيا أم إنكاراً بأنني سعيدة لوجوده!

 كان يعطينا ظهره لذلك لم يرانا! . وعندما اقتربنا من الباب، التفت أحمد وابتسم ثم هم واقفاً (ليلى؟ إليشيا!! ماذا تفعلون هنا!!) .... أجابته إليشيا بسرعة (مرحبا أحمد!! يال هذه الصدفة الجميلة!! هذا مقهانا المفضل نجتمع دائما هنا) .. نظر إلي أحمد وهو ينتظر رداً مني، فما كان مني إلا أن أومأت رأسي أحييه بابتسامة. أما جي سان فقد كانت تقف أمام الحافلة وهي تنادينا بغضب (أسرعوا!!) ... اعتذرنا من أحمد ودفعت إليشيا للتحرك قبل أن أعطي أحمد أو إليشيا أي فرصة للتحدث،،،!! 

وهكذا ركبنا الحافلة وجلست إليشيا بجانبي لسبب أعرفه جيداً!! ستبدأ الآن جلسة التحقيق وتحليل الشخصية والأفلام الهندية لقصة (ليلى-مجنون) كما كانت تسميها!!! 

Sunday, December 23, 2012

مقهى السعادة ،،،، (٤)



أستيقظت الساعة الثامنة والنصف بكسل شديد، بدأت أحرك عيناي دون رغبة بأن ألتقي بأي بصيص ضوء يفسد عليّ كسل هذا الصباح، هذه عادتي في نهاية الأسبوع، أستيقظ متأخرة وكأنني أعوض ساعات النوم التي لم أحظى بها طوال الأسبوع. أعرف أن الجو بارد جداً في الخارج، أنا هنا لازلت ألتف على نفسي بهذا الفراش الوثير، تسللت يدي من تحت الفراش لتلتقط الهاتف. 

لم يكن منبهي يعمل في أيام العطل، فكل ما وجدته هو رسالة جديدة من صديقتي أليشا (ليلى، لا تنسي موعدنا في مقهى الجدة الساعة الحادية عشر)، ورسالة أخرى من صديقتي جي-هارو، فهي ترسل للجميع يومياً رسالة صباحية بصورة من تصويرها وتحية رقيقة (صباح الخير) وفقط.

أرسلت رسالة إلى جي-هارو وإليشيا (صباح الخير صديقاتي، سأكون في مقهى السعادة الساعة ١١ ص، أشعر بكسل شديد، ولكني متحمسة لهذه الرحلة). ثم ضبطت المنبه على الساعة التاسعة صباحاً حتى لا ينسيني دفئ الفراش أن أستيقظ، حيث أنني التففت مرة أخرى بفراشي كشرنقة كسولة، مستمتعة بهذه الدقائق الصباحية.

عند الساعة العاشرة والنصف، كنت أمشي ببطئ شديد متجهة إلى مقهى جدتي، تارة أنظر إلى هاتفي وتارة أخرى احتضن نفسي من شدة البرد، رغم ارتدائي معطفاً ظننت أنه سيقتلني حراً إلا أنني لازلت أشعر بالبرد، وكعادتي كنت أغطي شفتاي وأنفي بوشاحي حتى أصل إلى مقهى جدتي، يبدوا لي أن الثلوج ستتساقط قريباً، الشتاء هنا شديد البرودة! .. 

عندما وصلت وجدت جدتي تقف على الباب وهي تستقبل شحنات المزودين الذين تتعامل معهم، الدقيق والماء والقهوة وغير ذلك وهي تشرف بنفسها على نقل هذه المؤن إلى الداخل، ما إن رأتني حتى ضمتني إليها كطفلة صغيرة، واحتضنتها بشدة كما أفعل دوما (جدتي أعطني بعض الحنان، أشعر ببرد شديد)، ضحكت جدتي وشدت ذراعيها عليّ قليلاً (صباح الخير يابنتي، إليشيا هنا منذ نصف ساعة وهي كشعلة نشاط، أنظري إليك! كسولة أنتي!) ... (أخبرتهم مراراً وتكرارا يا جدتي أنني أحب أن أقضي العطلة في فراشي، ولكن إليشا أصرت على مرافقة جي-سان وبالتالي أصبح فرضاً عليّ أن أذهب معهن) .. نظرت إليّ جدي وكأنني لم أكن أشتكي لها، وقالت (إذهبي وأعدي القهوة لنفسك، وتناولي الفطور مع إليشيا، إنك فتاة كسولة).

جي-سان وإليشيا! .. لم تقل لي جدتي أن جي-سان هنا أيضاً، ألقيت التحية عليهم وجلست بجانب جي-سان التي كعادتها لا ترفع يديها عن "اللابتوب"، وطلبت من الشقراء "إيمي" أن تحضر لي فنجاناً من القهوة وشريحة من التوست الفرنسي. ودار بيننا هذا الحوار.

جي-سان: شكراً لذهابكم معي اليوم، فلا أحب أن ألتقط صوراً لوحدي.
إليشيا: يجب أن تختاري مكاناً ممتعاً، فأنا لا أحب الملل.
ليلى: جي-سان، لم تودين التقاط صور لمدينة نيويورك فجأة؟
جي-سان: كما تعلمون فإنني أصور المدينة في شهور السنة المختلفة، وأود التقاط الصور قبل تساقط الثلج.
ليلى: فعلا الجو بارد جداً وقد تتساقط الثلوج قريباً.
إليشيا: أحضرت آلة التصوير الخاصة بي أيضاً، سيسعد والديّ لمشاهدة صور جديدة.

عندما وضعت إيمي القهوة والخبز أمامي قلت بلغة عربية (شكراً)، فابتسمت إيمي وذهبت، أما إليشيا فلم تستطع أن تجعل أي كلمة أن تمر دون تحقيق!

إليشيا: شكراً؟ (تمتمت قليلاً باللغة الهندية وهي تضحك ثم أكملت) لماذا لا تحبين أن يعرف أحد أنك عربية من دولة خليجية؟... 
ليلى: لا أعرف،  أشعر بالراحة هكذا، يكفي أنهم يعرفون أنني مسلمة.
إليشيا: لا أجد أي تفسير لإخفائك معلومة كهذه.
ليلى: ولا أجد أنا أي تفسير منطقي سوى أنني أشعر ببعض الحرية والراحة عندما أحظى بهذه الخصوصية.
إليشيا: أنتي لا تتحدثين باللغة العربية أبداً ولا تتحدثين عن تراث دولتك، لهذا يتساءل بعض الطلبة عن منشأ رأسك ولا يجدون جواباً سوى "مسلمة"! 
ليلى (ابتسامة رضى): وهذا يشعرني ببعض الغرور اللذيذ! .. إليشيا، لا أحب أن ألتقي بطلبة عرب، ولا طلبة من الخليج، يؤمن البعض بأن سفر الفتاة إلى الخارج للدراسة هو دليل على انحلالها الأخلاقي أو عدم اهتمام أهلها فيها، أنا لا أود أن ألتقي بأشخاص هكذا.
إليشيا: أنتي غريبة! 
ليلى: كلا لست غريبة، فقط أحب أن أعيش بسلام، أنا سعيدة معكن، ولكن ليس الآن وقد بردت قهوتي بسبب أسألتك يا إليشياً، إهدئي قليلاً! .. 

ابتسمت إليشيا بشقاوة تلك الابتسامة التي تشتهر بها عندما تشعر بالنصر أو عندما تكون السبب في مصيبة ما! أما جي-هارو-سان فكانت منشغلة تماماً في تعديل مقطع فيلم كانت قد صورته خلال الاسبوع الماضي. جي-هارو-سان تدرس معنا لتحصل على شهادة في إدارة الأعمال، ولكنها كانت تحب إخراج الأفلام والتصوير بشغف شديد، كانت لها مواقعها الخاصة، وتعمل حالياً للانتهاء من تعديل لقطات فلم تسميه (ألوان الخريف).

مبدعة جي-سان، وهادئة جداً بعكس إليشيا، لا تخوض جي-سان في حوارات ومناقشات شديدة كما نفعل أنا وإليشياَ كانت تكتفي بأن تنظرنا حتى ننتهي ثم تقول رأيها بحيادية وهدوء، تفتخر جي-سان ببلدها، فكانت تحب استخدام المنتجات اليابانية، وتحب أن تحتفل بجميع المناسبات الخاصة بهم، جي-سان تحب زميلاً في الجامعة ولكنها لا تستطيع البوح بما تشعر لاعتقادها أن هذا لا يصح ويخالف مبادئها.

كنت أنا من بدأ الحوار مع جي-سان عندما عرفت أنها من اليابان، أخبرتها أنني أرغب بالحصول على صديقة يابانية! ولم تمانع، وتفاجأت وقتها من تمكنها من التحدث باللغة الإنجليزية رغم أن هذا شيء غير مألوف لدى الشرق آسيوين! 

قطع تفكيري صوت جي-سان وهي تغلق جهازها وهي تقول: سنستقل الحافلة التالية، هيا للنتهي من الافطار سريعاً.