ذهبت مع احد الأطفال إلى المسجد لأداء صلاة التراويح، وهو في سن العاشرة تقريباً ان لم يخب ظني .. ونحن نمشي في حديقة المنزل إلى الباب، تحجبت ولم أغطي وجهي، وقلت له: ما رأيك أن أذهب إلى المسجد بدون أن أغطي وجهي؟ .. رد عليّ غاضباً .. "ماترومين" .. أخبرته أنني أستطيع، وفعلا لم أغطي وجهي حتى وصلنا بوابة المنزل، وعندما حاولت الخروج، وجدت يديه تدفعانني بقوة إلى داخل المنزل، أنا أعرف أن في هذا الوقت لا يوجد أحد في الشارع، فنحن نذهب باكرا قبل التجمع امام المسجد: "شو بلاك؟ ليش تدزني جيه" ودار هذا الحوار بيني وبينه:
.
.
"لو سمحتي غطي ويهج"
"ما بغطي ويهي، شو تبا أنت؟"
"ما بخليج تطلعين من البيت، غطي ويهج"
عندها خطوت خطوتان إلى الخارج وأنا أدفعه أيضاً
"ياخي بيتنا مب بيتك، خوز، وأنا بطلع جيه وبمشي لين المسيد بدون ما أتغشى"
ورد عليّ غاضباً، وهو يشير بسبابته إلى الأرض:
"والله العظيم تراني بدفنج هنيه"
.
.
تفاجأت بالرد الذي جعلني أقف مكاني لوهلة!!!!! ونزلت عيناي تلقائياً مع اصبعه الصغير، لأنظر لوهلة وأتأمل المكان الذي سأدفن فيه!! ... لم أعرف هل أضحك أم أعاقبه على كلامه أم ماذا، وقررت أن أمشي قليلا دون أن أغطي وجهي، اشتاط غضباً، وأدبر عني وجعل مسافة بيني وبينه وهو يقول بصوت مسموع:
.
.
"أنتي كبيرة، أنتي تعرفين الحلال والحرام، شو أنا بتحاسب ولا أنتي؟، وأنا أعرفج زين"
.
.
لم يلتفت ليراني أبداً وهو يمشي أمامي، في هذه الاثناء غطيت وجهي قبل مرور أي سيارة، وأكملت الحديث معه وهو يمشي أمامي غاضباً، شعرت لوهلة أنه يشعر بالخجل لو رآني أترابه معه دون أن أغطي وجهي، وشعرت أيضاَ أنه استنكر شكلي بدون أن أغطي وجهي، اقتربت قليلاً منه حتى أحدثه ويسمعني:
.
.
"بس أنا مب حاطة مكياج، ومب مطلعه شعري، عادي يعني مافيها شي"
"لاء فيها شي .. ليش ما تغطين ويهج؟"
"أنزين، يعني لو سافرت وماغطيت ويهي عادي، وهنيه لااء؟"
"همممممممممممم ماعرف ماعرف .... "
.
.
قبل أن يكمل حديث التفت إليّ ورآني قد غطيت وجهي وكنا قد اقتربنا من المسجد ، لا أعرف كيف أصف نظرة عينيه حينها، شعرت كأنه سيطير من الفرحة، لم يعد يمشي على الأرض بل شعرت أنه يطير .. بريق عينيه كافي لأن أرى السعادة دون أن يتحدث، وقال بصوت عالي:
.
.
"مااااااااااااااااااا قلت لج إني أعرفج؟ أدري أنج بتغطين ويهج"
.
.
لم أعرف مالذي يجب أن أقوله بالضبط، ابتسمت من تحت غطاء وجهي وأكلمت الطريق إلى مصلى النساء وأنا أفكر فيه حتى هذه الساعة، لم أحب غضبه الشديد، دون معرفة الحلال والحرام، متأكده أنه استنكر شكلي بلا غطاء وجه، وشعر بالخجل لو رآني اصدقاءه، في نفس الوقت، شعرت بالسعادة في باطن نفسي، فأحب أن أرى فيه غيرة المسلم، وغيرة الأخ، وابن الاخ، وغيرته على عرضه رغم صغر سنه، ولا أنكر سعادتي بثقته فيني أيضا.
.
.
شعرت بالاطمئنان أن جيلهم ليس سيئ كما نسمع أو نقول، هناك دائما بصيص من الأمل في كل جيل، نحتاج إلى التوجيه الصحيح لهم، وتصحيح المفاهيم التي قد مسكوا بداية خيوطها، نعلمهم كيف تكون النصيحة، وكيف أن الحديث يجب أن يكون على أسس وقواعد وركائز دينية، شعرت بالأسى على نفسي، فلم أستطع أن أنصحه أو أرد عليه في ساعتها أو بعدها، واكتفيت بحوار صغير ومثال عملي. أسأل الله سبحانه أن يهدينا ويهدي كل جيل يمر ... فمثلهم كلبنات صغيرة تبني المجتمع، وكم أتمنى أن يكون مجتمعنا الحاضر والمستقبل مبني على لبِنات متراصه متشاده، حتى لا نقول: كان وكنا، وليت و,,الخ .. وأتمنى أن يكون اتجاهنا إلى جيل اسلامي أكثر تعمقا في الدين، والعادات والتقاليد! ..
والسموحة منكم
.
.
*رجاء خالص، قولوا ماشاء الله، ترا العين حق، وادعوا الله يثبت الولد ويكون شاب صالح ان شاء الله*