فأنا حقاً لا أستطيع الذهاب معهم، ولن أستطيع أن أجاريهم
فهم سيضحكون بعفوية، ويتبادلون الحديث بحماس
ولكن إن ذهبت معهم، فسأبذل الكثير من الجهد لأرسم ابتسامات كاذبة
وأدخل معهم في نقاشات لن تهمني بشيء سوا مشاركتي الصوتية لهم
سألوني، مراراً وتكراراً إذا كان هذا ما أريده فعلاً
وبعد نقاش طويل أجبرني لأقلب عينيّ أمامهم بضجر من طول النقاش
وافقوا وتركوني هنا وحيدة .. بين أربع جدرانٍ ونافذة
جلست على الطاولة، وقدمي على الكرسي، لأشاهد ما وراء النافذة بوضوح
أصوات حركتهم بتجهيز أغراضهم تلاشت تدريجياً مع صوت إغلاق الباب خلفهم
"فمان الله، ولو تبين شي، دقي تيلفون"
"فمان الكريم، إن شاء الله"
لوهلة، شعرت بسعادة عارمة، فلو أمسكت دبوساً الآن
كما فعل القط (توم) ورميته على الأرض، لسمعت صوته
إرتسمت على شفتي ضحكة أفضل ما أقول عنها أنها شريرة بحسن نية
بدأت بترتيب الغرفة، عادة لا تتركني، فلا أحب الفوضى أبداً
وضعت كل شيء في مكانه بالسنتيمتر، رششت عطري المفضل في الغرفة
وبدأت بالتخطيط (الاستراتيجي) لهذا اليوم!
وطبعاً من فوق الطاولة، لم أعرف من أين أبدأ
ولا من أين أنتهي! فقررت أن أستغل الانترنت لهذه المهمة
أخذت المعلومات التي أريدها، وجهزت نفسي للخروج
أغلقت خلفي جميع الأضواء، أيضاً عادة لا تتركني ولله الحمد
تأكدت من إغلاق الباب وأنا أضع المفتاح كالخاتم في اصبعي
لم يكن المصعد كباقي المصاعد التي اعتدت عليها
أقف أمامه وأنا أنتظر دون تذمر تأخره، فتصميمه جميل جداً
أسلاك الحديد المذهبّة والمعتقة، ملتفة بزخارف رائعة مع الخلفية الحمراء
والزجاج الذي يحيط بالمصعد، يعطيه طابع تاريخي أنيق جداً
فكرت بالنزول من الدرج، أيضاً تصميمه مشابه للمصعد
يشعرني كأنني في مسلسل تاريخي قديم، ولكن فتح باب المصعد
ودخلت بسرعة وأنا أحاول أن أعرف كيفية إغلاق الباب الزجاجي
فالباب الزجاجي يدوي، أما الآخر يغلق تلقائياً
عند نزول المصعد، شاهدت العديد من الناس، فعندما ينزل
شاهدت العجوز التي تشد حقائبها بنفسها وهي ترفض أن يساعدها أحد
وشاهدت فتيات ملتزمات بالزي الاسلامي بانتظار المصعد
وشاهدت عاملات النظافة بالزي القديم الذي يناسب المكان
وشاهدت شخصاً يلبس بدلة رسمية من الطراز القديم يفتح لي الباب
عندها ابتسمت بخجل من الموقف، فقد توقف المصعد
وقد نسيت أن هناك باباً يجب أن يفتح يدوياً
أما الآن، فأنا هنا، بيني وبين العالم باب واحد فقط!
لأول مرة أخرج لوحدي، وأنزل لوحدي، وأكون هنا وحدي!
توجهت لعامل الاستقبال! .. الذي استقبلني بابتسامة وتحية رقيقة
مما جعلني أبتسم أيضاً وفوق رأسي سحابة كتب فيها كلمة واحد:
"Bonjour"
لم أعرف كيف أرد، ولكن تداركت الموضوع بلغتي الإنجليزية
التي لا بأس فيها، والتي اكتشفت أنها لن تفيدني دائماً
وسألته كيفية الوصول إلى المكان الذي أريده
كلما تحدث أكثر، كبرت السحابة فوق رأسي
تجمع الكلمات الإنجليزية المكسرة في هذه السحابة
مع ابتسامة شريرة أخرى عند سماع هذه الكلمات، شكرته وذهبت
أيضاً الباب هنا يدوي، أنيق، وبسيط..حاولت أن لا أكون نجمة المكان
فدائماً أضع نفسي في مواقف محرجة
وضعت يدي على الباب وكأني أسند نفسي عليه
ولكن فالحقيقة كنت أتأكد أن هذا هو الباب الصحيح لكي أفتحه
ظننت أنني ذكية بما فيه الكفاية عند القيام بهذه الحركة
واستيقظت من هذا الحلم الجميل عندما جاء صاحب البدلة ليفتح لي الباب الصحيح
ابتسمت ببلاهة ، مع ابتسامته التي لو لم تكن رسمية لانفجر من الضحك
خرجت وأنا أحدث نفسي وأعاتبها، وأخبرها أنها دائما "تفشلني"
وعندما انتهيت! .. وجدت نفسي على رصيف الشارع
الذي كان مفترقاً لثلاث طرق!! .. التفت ورائي علي أجد من يساعدني!
لا عامل الاستقبال، ولا صاحب البدلة، إلا ذلك الباب المغلق الذي حقدت عليه
عقدت حاجبيّ بتركيز
واسترجعت سحابة الكلمات الإنجليزية المكسرة فوق رأسي
أخذت نفساً عميقاً وتوكلت على الله!
يتبع