أستيقظت الساعة الثامنة والنصف بكسل شديد، بدأت أحرك عيناي دون رغبة بأن ألتقي بأي بصيص ضوء يفسد عليّ كسل هذا الصباح، هذه عادتي في نهاية الأسبوع، أستيقظ متأخرة وكأنني أعوض ساعات النوم التي لم أحظى بها طوال الأسبوع. أعرف أن الجو بارد جداً في الخارج، أنا هنا لازلت ألتف على نفسي بهذا الفراش الوثير، تسللت يدي من تحت الفراش لتلتقط الهاتف.
لم يكن منبهي يعمل في أيام العطل، فكل ما وجدته هو رسالة جديدة من صديقتي أليشا (ليلى، لا تنسي موعدنا في مقهى الجدة الساعة الحادية عشر)، ورسالة أخرى من صديقتي جي-هارو، فهي ترسل للجميع يومياً رسالة صباحية بصورة من تصويرها وتحية رقيقة (صباح الخير) وفقط.
أرسلت رسالة إلى جي-هارو وإليشيا (صباح الخير صديقاتي، سأكون في مقهى السعادة الساعة ١١ ص، أشعر بكسل شديد، ولكني متحمسة لهذه الرحلة). ثم ضبطت المنبه على الساعة التاسعة صباحاً حتى لا ينسيني دفئ الفراش أن أستيقظ، حيث أنني التففت مرة أخرى بفراشي كشرنقة كسولة، مستمتعة بهذه الدقائق الصباحية.
عند الساعة العاشرة والنصف، كنت أمشي ببطئ شديد متجهة إلى مقهى جدتي، تارة أنظر إلى هاتفي وتارة أخرى احتضن نفسي من شدة البرد، رغم ارتدائي معطفاً ظننت أنه سيقتلني حراً إلا أنني لازلت أشعر بالبرد، وكعادتي كنت أغطي شفتاي وأنفي بوشاحي حتى أصل إلى مقهى جدتي، يبدوا لي أن الثلوج ستتساقط قريباً، الشتاء هنا شديد البرودة! ..
عندما وصلت وجدت جدتي تقف على الباب وهي تستقبل شحنات المزودين الذين تتعامل معهم، الدقيق والماء والقهوة وغير ذلك وهي تشرف بنفسها على نقل هذه المؤن إلى الداخل، ما إن رأتني حتى ضمتني إليها كطفلة صغيرة، واحتضنتها بشدة كما أفعل دوما (جدتي أعطني بعض الحنان، أشعر ببرد شديد)، ضحكت جدتي وشدت ذراعيها عليّ قليلاً (صباح الخير يابنتي، إليشيا هنا منذ نصف ساعة وهي كشعلة نشاط، أنظري إليك! كسولة أنتي!) ... (أخبرتهم مراراً وتكرارا يا جدتي أنني أحب أن أقضي العطلة في فراشي، ولكن إليشا أصرت على مرافقة جي-سان وبالتالي أصبح فرضاً عليّ أن أذهب معهن) .. نظرت إليّ جدي وكأنني لم أكن أشتكي لها، وقالت (إذهبي وأعدي القهوة لنفسك، وتناولي الفطور مع إليشيا، إنك فتاة كسولة).
جي-سان وإليشيا! .. لم تقل لي جدتي أن جي-سان هنا أيضاً، ألقيت التحية عليهم وجلست بجانب جي-سان التي كعادتها لا ترفع يديها عن "اللابتوب"، وطلبت من الشقراء "إيمي" أن تحضر لي فنجاناً من القهوة وشريحة من التوست الفرنسي. ودار بيننا هذا الحوار.
جي-سان: شكراً لذهابكم معي اليوم، فلا أحب أن ألتقط صوراً لوحدي.
إليشيا: يجب أن تختاري مكاناً ممتعاً، فأنا لا أحب الملل.
ليلى: جي-سان، لم تودين التقاط صور لمدينة نيويورك فجأة؟
جي-سان: كما تعلمون فإنني أصور المدينة في شهور السنة المختلفة، وأود التقاط الصور قبل تساقط الثلج.
ليلى: فعلا الجو بارد جداً وقد تتساقط الثلوج قريباً.
إليشيا: أحضرت آلة التصوير الخاصة بي أيضاً، سيسعد والديّ لمشاهدة صور جديدة.
عندما وضعت إيمي القهوة والخبز أمامي قلت بلغة عربية (شكراً)، فابتسمت إيمي وذهبت، أما إليشيا فلم تستطع أن تجعل أي كلمة أن تمر دون تحقيق!
إليشيا: شكراً؟ (تمتمت قليلاً باللغة الهندية وهي تضحك ثم أكملت) لماذا لا تحبين أن يعرف أحد أنك عربية من دولة خليجية؟...
ليلى: لا أعرف، أشعر بالراحة هكذا، يكفي أنهم يعرفون أنني مسلمة.
إليشيا: لا أجد أي تفسير لإخفائك معلومة كهذه.
ليلى: ولا أجد أنا أي تفسير منطقي سوى أنني أشعر ببعض الحرية والراحة عندما أحظى بهذه الخصوصية.
إليشيا: أنتي لا تتحدثين باللغة العربية أبداً ولا تتحدثين عن تراث دولتك، لهذا يتساءل بعض الطلبة عن منشأ رأسك ولا يجدون جواباً سوى "مسلمة"!
ليلى (ابتسامة رضى): وهذا يشعرني ببعض الغرور اللذيذ! .. إليشيا، لا أحب أن ألتقي بطلبة عرب، ولا طلبة من الخليج، يؤمن البعض بأن سفر الفتاة إلى الخارج للدراسة هو دليل على انحلالها الأخلاقي أو عدم اهتمام أهلها فيها، أنا لا أود أن ألتقي بأشخاص هكذا.
إليشيا: أنتي غريبة!
ليلى: كلا لست غريبة، فقط أحب أن أعيش بسلام، أنا سعيدة معكن، ولكن ليس الآن وقد بردت قهوتي بسبب أسألتك يا إليشياً، إهدئي قليلاً! ..
ابتسمت إليشيا بشقاوة تلك الابتسامة التي تشتهر بها عندما تشعر بالنصر أو عندما تكون السبب في مصيبة ما! أما جي-هارو-سان فكانت منشغلة تماماً في تعديل مقطع فيلم كانت قد صورته خلال الاسبوع الماضي. جي-هارو-سان تدرس معنا لتحصل على شهادة في إدارة الأعمال، ولكنها كانت تحب إخراج الأفلام والتصوير بشغف شديد، كانت لها مواقعها الخاصة، وتعمل حالياً للانتهاء من تعديل لقطات فلم تسميه (ألوان الخريف).
مبدعة جي-سان، وهادئة جداً بعكس إليشيا، لا تخوض جي-سان في حوارات ومناقشات شديدة كما نفعل أنا وإليشياَ كانت تكتفي بأن تنظرنا حتى ننتهي ثم تقول رأيها بحيادية وهدوء، تفتخر جي-سان ببلدها، فكانت تحب استخدام المنتجات اليابانية، وتحب أن تحتفل بجميع المناسبات الخاصة بهم، جي-سان تحب زميلاً في الجامعة ولكنها لا تستطيع البوح بما تشعر لاعتقادها أن هذا لا يصح ويخالف مبادئها.
كنت أنا من بدأ الحوار مع جي-سان عندما عرفت أنها من اليابان، أخبرتها أنني أرغب بالحصول على صديقة يابانية! ولم تمانع، وتفاجأت وقتها من تمكنها من التحدث باللغة الإنجليزية رغم أن هذا شيء غير مألوف لدى الشرق آسيوين!
قطع تفكيري صوت جي-سان وهي تغلق جهازها وهي تقول: سنستقل الحافلة التالية، هيا للنتهي من الافطار سريعاً.